للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأما إذا قال المرتهن أولاً: أذنتُ لك في الوطء، فما وطئتَ، فقال الراهن بعده: أذنت لي فوطئتُ. ذكر الأئمة في هذه الصورة وجهين ورتبوهما على الخلاف في الصورة الأولى، وجعلوا هذه الصورة الأخيرة أولى أن يصدَّق المرتهن فيها، وعلّلوا بأن قول المرتهن إذا تقدَّم يتضمن عزل الراهن عن الإذن في الوطء، فيقع قول الراهن بعد انعزاله، وليس كالصورة الأولى إذا تقدم قول الراهن. وهذا ليس بشيء. وليس ما قاله المرتهن قطعاً للإذن، ولا عزلاً، وإنما هو خبر عن الإذن، واعتراف به، ثم ادعاءُ عدم الوطء؛ فلا عزل إذاً.

وحصل من الصورتين أوجه: أحدُها - أن القول قول المرتهن في الصورتين؛ فإن الأصل عدم الوطء. والثاني - أن القولَ قولُ الراهن في الصورتين كما استشهدنا به من ادعاء الوكيل البيع الذي وكل به. والوجه الثالث - أنه يفصل بين أن يتقدم قول الراهن وبين أن يتقدم قول المرتهن، فالمصدَّق من يقدَّم قوله. وهذا ما اختاره القاضي، وهو ضعيف؛ فإنه بناه على العزل، وزعم أن قول المرتهن يتضمن عزلَ الراهن، وهذا غيرُ مفهوم.

ثم قال لو قال الوكيل بالبيع لموكله: أذنتَ لي في البيع، فبعتُ، وأنكر الموكِّل بيعَه، واعترف بالإذن، فالقول قول الوكيل. ولو قال الموكل أولاً: أذنت لك في البيع، فلم تبع. وقال الوكيل: قد بعتُ. ذكرَ وجهين في هذه الصورة أخذاً مما تخيله من أن قول الآذن في ذلك رجوع عن الإذن. وهذا كلام عريٌّ عن التحصيل.

٣٥٧٣ - ومن مسائل الاختلاف: أن يتفقا على الإذن، وجريان الوطء، ويقول المرتهن: هذا الولد الذي أتت الجارية به ليس منك، ولم تُعلقها أنت بوطئك، وإنما زنت، وأتت بولدٍ من غيرك، فالقول في هذه الصورة قول الراهن بلا خلاف؛ فإن أصل الإذن متفق عليه، وكذلك جريان الوطء، ولا يبقى بعد هذا في نفوذ الاستيلاد شيء إلا استلحاق المولود، والاستلحاق إلى الواطىء، وهو من الأمور المفوّضةِ إليه، فلا معنى لتقدير مزاحمته.

ثم وجدت الطرق متفقة على أن الراهن لا يحلَّف في الصورة الأخيرة، ويكفي استلحاقُه. وإذا جعلنا القولَ قولَ الراهن في ادعاء الوطء، فهل يحلّف؟