للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكرنا أن المستعير لو زرع الأرض المستعارة بإذنٍ، لم يقلع زرعُه في أصْل المذهب، وأشرنا إلى تردُّدٍ في أنه إذا رجع عن العاريّة هل يغرَم المستعير أجر المثل في بقية المدة؟ والذي قطع به أئمتنا أن المشتري إذا زرع الأرض، ثم أخذ الشفيعُ الشقصَ، فلا شك أن زرعه لا يقلع، ولا يلزمه الأجرة؛ فإنه كان تصرف في ملكه، وليس كالمستعير مع المعير؛ فإن انتفاع المستعير كان يعتمد إباحةَ المعير، وقد انقطعت بالرجوع. وألحق الأئمةُ سقوطَ الأجر في الزرع عن المشتري بما لو باع الرجل أرضاً مزروعة، فإذا صححنا البيع، فليس على بائع الأرض أجرُ الأرض من وقت البيع إلى الحصد. وفي كلام صاحب التقريب ما يدل على إلحاق المشتري (١) بالمستعير في أجرة الأرض المزروعة. وهذا غير بعيد في القياس، وإن كان بعيداً في النقل؛ وذلك أن المشتري زرع الأرضَ، والشفعةُ متعلقة بها، بخلاف من زرع أرضه الخالصة، ثم باعها؛ فإنه لم يكن على بائع الأرض في وقت الزرع استحقاق. وهذا بيّن من هذا الوجه.

٤٧٦٩ - ثم إن المزني لما نقل من نص الشافعي البناء والغراس، أخذ يعترض ويقول: هذه المسألة لا تتصور على مذهب الشافعي؛ لأن المشتري لو بنى قبل القسمة، فهو متعدٍّ غاصب، لأنه بنى في ملك الغير، فيقلع عليه مجاناً، وإن فرض البناء بعد القسمة، فالقسمة والمفاصلة تُبطل الشفعة، فكيف ينتظم بقاء الشفعة مع جريان البناء والغراس بعد القسمة (٢).

فقال الأصحاب: يمكن تصوير القسمةِ من وجوه، مع بقاء الشفعة، فمنها: إذا قيل للشفيع: اشترى فلانٌ الشقص بألف، فرغب الشريك عن طلب الشفعة، ورأى الثمنَ فوق المقدار الذي هو ثمن المثل، فلو قاسم المشتري، ثم بان أنه كان اشترى الشقصَ بخمسمائة، فللشفيع حقُّ الشفعة، وتلك القسمةُ لا تُبطل الشفعةَ؛ لأنه أقدم


(١) المشتري: المراد به هنا مشتري الشقص.
(٢) هذا معنى كلام المزني في المختصر: ٣/ ٥٣.