مُطالب بتمام الثمن، وإن ألحقنا حطَّ البعض بالعقد، وجعلنا كان الثمن المسمى ما بقي بعد الحط، فحط الجميع يُفسد العقد لا محالة؛ من حيث يتضمن تعريتَه عن الثمن، غنَيْنا بالفساد أن البيع لا يثبت.
ووراء ذلك نظرٌ آخر، وهو أن الرجل إذا قال لإنسان: بعت منك عبدي هذا بلا ثمن، فلا شك أن ما أجراه ليس بيعاًً، ولكنه هبةٌ مملِّكةٌ صحيحة، أم ليست هبةً؟ في ذلك وجهان ذكرهما القاضي وغيره: أحدهما - أنه هبة؛ لإشعار اللفظ بالتمليك، مع التنصيص على نفي العوض، وهذا معنى الهبة.
والثاني - أنه ليس هبةً؛ فإن البيع في وضعه صريح في اقتضاء العوض، فإذا قرن بنفي العوض: كان جمعاً بين النقيضين. والعقود الصحيحة لا تنتظم من العبارات الفاسدة.
وعبر المحققون عن الوجهين بأن الاعتبار بمعنى اللفظ ومقصود اللافظ، أو بصيغة اللفظ، فإن اعتبرنا مقصود اللافظ، اقتضى ذلك تصحيحَ الهبة، وإن اعتبرنا صيغة اللفظ، فهي فاسدة، ومعتمد العقود الألفاظ.
التفريع على الوجهين:
٤٨١٣ - إن حكمنا بصحة الهبة، لم يخفَ حكمُها، وافتقارُها إلى القبض، وإن لم نصحح من هذا اللفظِ هبةً، فلا شك، أن ما يقبضه ملكُ البائع، ولكن اختلف أصحابنا في أنه أمانة في يده، أو مضمون: فمنهم من قال: هو مضمون؛ لأنه مقبوض عن بيع فاسدٍ. ومنهم من قال: هو أمانة؛ لأن علائق الضمان نتيجة ما في العقد الفاسد من اقتضاء العوض، وإن كان على الفساد، وإذا قال بعتك بلا ثمنٍ، فليس فيما جاء به ما يتضمن عُهدة، ولا عُلقة، من طريق العوض. وعن هذا قال الأصحاب: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق على زق خمر، فقبلت، بانت، وعليها مهر المثل. ولو قال: أنت طالق على الريح، وقع الطلاق رجعياً، ولم يقبض عوضاًً.
هذا حقيقة القول في ذلك.
فإذا فرض الحط في الجميع، وألحقنا ذلك بالعقد، وأخرجناه عن كونه بيعاً، انتظم بعد ذلك تبيُّناً ما لو قال ابتداءً: بعت منك هذا بلا ثمن.