للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأولى لكل واقف أن يبدأ بصرف المستفاد من الوقف إلى ما به قوامُ الوقف وبقاؤه. هذا هو العادة المعتادة في شرائط الواقفين.

فإن أطلق الوقف على معيّن مثلاً، وبعده على جهة لا تنقطع، ولم يتعرض للنفقة، فلا يخلو العبد إما أن يكون كسوباً، وإما ألا يكون كذلك، أو كان كسوباً ولكن كسبه لا يفي بمؤنته ونفقته، أو يكون كسوباً أوّلاً، ثم يطرأ عليه الزمانة المقعدة من الكسب.

فأما إذا كان كسوباً، فالذي قطع به الأئمة في طرقهم أن نفقته تتعلق بكسبه، وإن لم يتعرض الواقف لذلك.

وذكر بعض المصنفين أن نفقته تخرّج على أقوالِ الملك، ولا تتعلق بكسبه، كما لو أقعدته زمانة عن الكسب، وهذا وإن كان يمكن توجيهه بأن الوقف تضمَّن صرفَ كسبه إلى الموقوف عليه، فكأنه غير مكتسب، إذا كان مستغرَق الكسب في استحقاق الموقوف عليه، فما أرى ذلك معتداً به، والتعويل على ما ذكره الأئمة في الطرق، وهو أن النفقة تتعلق بالكسب، ووجه ذلك الحملُ على العادة أوَّلاً (١)، والعادة إذا اطردت، كانت بمثابة التصريح بالشرط. وهذا أصلٌ، لا حاجة إلى تقريره بالشواهد.

٥٧٩٥ - فأما إذا لم يف الكسب بالنفقة، أو طرأ مانع يمنع عن الكسب، فالنفقة حينئد تخرّج على أقوال الملك: فإن حكمنا بأن الملك للواقف في الرقبة، فالنفقة عليه.

وإن حكمنا بأن الملك للموقوف عليه، فالنفقة تجب عليه.

وإن حكمنا بأن الملك لله، فالنفقة في مال الله.

وهذا إنما يجري في الإنفاق على ذي الروح لحرمته؛ فإنه لا يجوز تعطيله، وتركه يهلك هَزْلاً.


(١) (أوَّلاً): بمعنى الأصل الثابت. ولذا لم يتبعها بـ (ثانياً)، وهذا أسلوب معهود، أن يذكر السبب الأصيل الذي يكفي وحده بلفظ (أولاً)، ولا ثاني له.