للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٧٩٦ - فأما عمارة الوقف إذا كان الموقوف عقاراً، وكان الوقف مطلقاًً، وريْعه لا يفي بالعمارة التي لا بدّ منها في إقامة الوقف وإدامته، فلا خلاف أنها لا تجب على أحدٍ: لا على الموقوف عليه إذا نسبنا الملك إليه، ولا في مال الله تعالى على قول إضافة الملك لله تعالى، ولا على الواقف، على قولنا: إن الملك له.

والسبب فيه أن عمارة الأوقاف يُنحى بها نحو عمارة الأملاك، ولا يجب على المالك أن يعمر ملكه.

وقد ذكرنا في كتاب الإجارة وجهاً أن المكري يلزمه عمارةُ الدار المكراة، ليتوفر المنافع منها على المكتري، وهذا سببه عهدةُ العقد، والتزامُ المكري توفية المنافع، وتوفيرها على مقابلة استحقاق العوض، وهذا المعنى لا يتحقق في حق الواقف.

فصل

في خراب الوقف وما يلحقه من التغايير

٥٧٩٧ - فإذا وقف الرجل شجرةً لتصرف ثمرتُها إلى شخص، وبعده إلى جهة، فلو يبست الشجرةُ، وصارت حطباً، فقد اختلف أصحابنا: فمنهم من قال: يبطل الوقف في ذلك، وينقلب الحطب ملكاًً للواقف؛ فإن الوقف المضافَ إلى الشجرة إنما يتعلق بالشجرة ما دامت ناضرة؛ فإن اسم الشجرة في التحقيق ينطلق عليها ما دامت كذلك، فإن سمى مسمٍّ حطبها شجرة، كان ذلك على مذهب الاستصحاب، فجفاف الشجرة إذاً، كهلاك العبد الموقوف، غير أنه إذا هلك، لم يفرض ردُّ جثته إلى ملكٍ؛ من جهة أنها ليست مالاً، والحطب مال.

٥٧٩٨ - ومن أصحابنا من قال: لا نحكم بارتداد الحطب إلى ملك الواقف، ولا نقضي بانقطاع أثر الوقف.

ثم هؤلاء اختلفوا على وجهين: فذهب بعضهم إلى أن الشجرة تستعمل في جهة إمكان الانتفاع بها، ويقدر كأن الواقف وقف جذعاً على إنسان، فإذا أمكن الانتفاع به، بإجارته وأخد أجرته واستعمال الموقوف عليه إياه في جهةٍ ينتفع به فيها، فهو الواجب.