للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

٣٥٨ - إذا وقعت نجاسة في ماء بئر، والماء قليل، ينجس. ثم ليس من الصواب نزحُ الماء، وإتعابُ النفس فيه، وقد يتنجس جوانب البئر والدَّلو والرِّشا، بل الوجه أن يكاثَر ماءُ البئر، ويبلغ حدَّ الكثرة، وإذا بلغه ولم يكن متغيراً، فهو طهور، وإن كان متغيراً، زِيد في الماء، حتى يزول التغيّر. ولو كان بالغاً قلتين وقد تغيّر، فالوجه الأيسر المكاثرة إلى زوال التغير.

فإن طُرح في الماء المسك أو غيره، مما له رائحة غلاّبة، فزال تغيّر الماء ظاهراً، لم يعد طهوراً؛ فإن هذا غمرٌ وليس بزالة.

ولو زال التغيّر على مرّ الزمان، أو بهبوب الرياح، والماء كثير، فهو طهور، وإن طرح في الماء تراب، فأزال أثر النجاسة، فللشافعي قولان: أحدهما - أنه لا يعود طهوراً، كالمسك إذا طرح، والثاني - أنه يعود طهوراً؛ فإن التراب ليست له رائحة فائحة تعم، ولكن له أثرٌ في الإزالة حقيقةً.

ومن أغمض ما يرفع في الفتاوى، ويبتلى الناس به النجاسة إذا وقعت في ماء بئر، وتهرأت وتفتتت، ولا يُنزح دلوٌ إلا وفيه جزء منه وإن لطف، فيتعذر استعمال الماء، وإن كان كثيراً غير متغير.

وكان شيخي يُسال عن ذلك، فلا يجد (١) جواباً، ويقول: الخلاص منه بطمّ (٢) البئر واحتفار أخرى.

وقد رأيت لمحمد بن الحسن (٣) فيه شيئاً ليس بعيداً عن قياسنا.

فأقول: إن أمكن نزف جَمّة (٤) البئر، واقتلاع شيء من الطين الذي فيه مقرٌّ للماء،


(١) في (ل): يُحِير. والمراد لم يجد مخرجاً ووسيلةً لتطهير البئر، وإلا فقد أجاب بطمّ البئر.
(٢) في هامش الأصل: "طمّ البئر بالتراب ملأها (مجمل اللغة) ".
(٣) محمد بن الحسن الشيباني، صاحب الإِمام الأعظم أبي حنيفة، وناشر علمه، له آراؤه واجتهاداته التي استقل بها. ت ١٨٩ هـ (الجواهر المضية: ٢/ ٤٢، الأنساب للسمعاني: ٧/ ٣٣٣).
(٤) في هامش الأصل: "النزف نزح الماء من البئر شيئاً بعد شيء (مجمل) " والمراد مجمل =