للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنا هل نقلع سنه مرة أخرى؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنا نقلع، وكلما عادت، عدنا، إلى فساد المنبت. والوجه الثاني - أنا لا نقلع، ولكن نعود إلى الدية، ثم لا يخفى النظر في الحكومة؛ فإن القلع الأول لم يقع عن جهة القصاص، وشفاءُ الصدر في هذا يأتي في كتاب الديات.

ثم إن لم نجعل للعود حكماً، ابتدرنا القصاص، ولم نؤخره، وإن جعلنا للعود حكماً، لم نستوف القصاص إلى تحقق فساد المنبت من المجني عليه.

١٠٥٢١ - قال الشافعي رضي الله عنه: "ومن اقتص بغير سلطان عُزِّر" (١).

قد ذكرنا أن مستحق القصاص لا يستبد باستيفائه، بل يتعين عليه رفعه إلى السلطان، فإن استبد ورأى الإمام تعزيره عزَّره، ووقع القصاصُ موقعه.

ثم ذكرنا أن القصاص في النفس يجوز أن يكله الإمام إلى الولي.

وفي القصاص في الطرف خلافٌ، وقطع الأئمة بأنه لا يكل حدَّ استيفاء القذف إلى المقذوف؛ فإن التفاوت في الجلدات عظيمٌ، فالمراتب إذاً ثلاث: نفسٌ، وقطعُ طرف، وجَلْد. ولكل مرتبة حكمها.

ومن عليه القصاص إذا أتى بصورة العقوبة من نفسه، فإن كان بغير إذن المستحِق، لم يقع الموقع، وإن كان بإذنه، ففي وقوع القصاص الموقعَ وجهان، ولعل الأصح وقوعه موقعه، ولو استناب المستحقَ بالحضرة أجنبياً، [فمن] (٢) زعم أن القصاص لا يقع الموقع، قال: فهَلْكُ نفسه يخرج عن كونه نائباً لغيره، وما يظهر منه يقع على حكم الاستبداد (٣)، وينمحق فيه أثر الإذن.

وشبه الأصحاب هذا بما لو قال المكرِه: إن قتلت نفسك وإلا قتلتك، فقتل نفسه، لم يكن مكرهاً، وهذا تشبيه باطل؛ فإن معنى الإكراه أن يُحمَل المرءُ على أمرٍ بسبب عظيم الموقع عنده، وهو يبغي الخلاص عما خُوِّف به، وإذا كان التخويف بالقتل والمستدعَى القتل الذي به التخويف، لم يتحقق الإكراه.


(١) ر. المختصر: ٥/ ١٢٢.
(٢) في الأصل: "ومن".
(٣) أي كأنه قتل نفسه من غير إذن مستحق القصاص، فحكمه أن فعله هذا لا يقع الموقع.