للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكبائر، وخرجوا على إمام المسلمين وجماعتهم واستحلوا قتالهم، فقام علي - رضي الله عنه - ومن معه من الصحابة فحاربوا هذا الفكر الهدام.

وبينما انشغل المسلمون بهذه المصيبة ظهرت بدعة مقابلة لفكر الخوارج وهي التشيع، والذي تولى كبرها: "عبدالله بن سبأ اليهودي"، فقال بعصمة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وآل البيت، بل تعدى ذلك إلى تأليهه، وسب الصحابة علنا، فتصدى لهذه الظاهرة علي - رضي الله عنه - وقمعها فظلت مغمورة.

فكانت هذه الحادثة هي بداية ظهور البدع المتقابلة .. هذا باعتبار نسبة البدع إلى فِرقِها المناصرين لها، أما باعتبار ظهور بذور البدعة فسيختلف زمن الظهور؛ لأن إرهاصات البدع المتقابلة وبذورها نشأت مصاحبة لعهد النبوة، فقد خرج من يَتَقال عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - ((فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم لا أفطر ... )) (١)، فكانوا في طرف الجفاة، وفي مقابلهم خرج من يطرون النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق منزلته: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)) (٢)، فكانوا في الطرف الآخر للغلاة.

وهذه النزعات كانت فردية ساذجة في الغالب، أو من أناس ليسوا من الأمة: كالنصارى واليهود والمنافقين، وليست جماعية، وليس لها أتباع ورؤوس، عدا الفتنة (السبئية) على عثمان - رضي الله عنه - (٣) فإنها كانت مبيتة فيما يظهر، ولها زعماء وجمهور من الرعاع والغوغائية، وتمخضت عنها أول الفرق (الشيعة والخوارج) (٤).

وبما أن آيات القرآن الرادة على البدع المتقابلة كانت في العهد النبوي فربما يكون هذا دليلاً على أنها كانت قديمة بقدم ما يتحدث عنه القرآن الكريم، مع العلم أنه لم يقع


(١) رواه مسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد المؤنة، برقم (١٤٠١).
(٢) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قَوْلِ اللَّهِ {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا}، برقم (٣٤٤٥).
(٣) الخلاف في عهد عثمان - رضي الله عنه - في فتن كالموج كانت هذه الفتن الخطوة الأولى للافتراق السياسي بين المسلمين وكذلك كانت الخطوة الأولى لتكوين المذاهب السياسية. ينظر: تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة (١/ ٢٧).
(٤) ينظر: دراسات في الأهواء والبدع (١/ ١٦٦).

<<  <   >  >>