للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا البذل؛ لأنَّ النَّاكل قد صرَّح بالإنكار، وأنَّه لا يستحق المدعى به، وهو مُصِرّ على ذلك، متورع عن اليمين، فكيف يُقال: إنَّه مقرٌّ، مع إصراره على الإنكار، ويُجعل مُكذِّبًا لنفسه؟ (١).

وأيضًا لو كان مقرًّا لم تسمع منه بينة نكوله بالإبراء والأداء، فإنَّه يكون مكذبًا لنفسه، وأيضًا فإنَّ الإقرار إخبارٌ وشهادة المرء (٢) على نفسه، فكيف يجعل مقرًّا شاهدًا على نفسه بسكوته، والبذل إباحة وتبرع، وهو لم يقصد ذلك، ولم يخطر على قلبه، وقد يكون المدعى عليه مريضًا مرض الموت، فلو كان النكول بذلًا وإباحة اعتبر خروج المدعى من الثلث (٣).

فتبين أنه لا إقرار ولا إباحة، وإنَّما هو جارٍ مجرى الشاهد والبينة، فإنَّ "البينة" اسمٌ لما يبين الحق، ونكوله - مع تمكنه من اليمين الصادقة التي يبرأ بها من المدعى عليه ويتخلص بها (٤) من خصمه - دليلٌ ظاهرٌ على صحة دعوى خصمه وبيان أنَّها حق، فقام مقام شاهد القرائن.

فإن قيل: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أجرى السكوت مجرى الإقرار والبذل في حق البكر إذا استؤذنت؟ (٥).


(١) انظر: الفروع (٦/ ٤٧٨)، الإنصاف (٢٨/ ٤٣٥).
(٢) "المرء" ساقطة من "ب".
(٣) انظر: الإنصاف (٢٨/ ٤٣٥)، شرح منتهى الإرادات (٣/ ٥٢٥)، مطالب أولي النهى (٦/ ٥٢٠).
(٤) "بها" ساقطة من جميع النسخ عدا "أ".
(٥) تقدم تخريجه.