عشرون مملوكا، فلما وصلوا البيت الذي فيه السلطان برقوق طلع إليه الأمير الطنبغا الجوباني بمفرده، فلما وقعت عينه على الملك الظاهر برقوق جرى الطنبغا وقبل يد الملك الظاهر برقوق وقال له:"أنت أستاذنا كلنا ونحن مماليكك". .. ثم أن برقوق قام معه، ولبس له عمامة على رأسه، وعمل فوقها طيلسانا، وركب فرسا وركب الطنبغا الجوباني إلى جانبه ومعهما أبو يزيد في الترسيم، فطلعوا إلى باب السلسلة، فنزل السلطان برقوق من على الفرس، فطلعوا به من باب سر القصر الكبير الذي من الاسطبل، فأدخلوه إلى قاعة النحاس التي لها شبابيك مطلة على الايوان.
ثم أن الأتابكي يلبغا قال لأبي يزيد:"أحضر لنا ما كان مع السلطان من المال لما دخل عندك". .. فأخرج لهم كيسا فيه ألف دينار وقال:"والله ما أودع عندي غير هذا الكيس، وما أعلم ما فيه". .. فقال له الأتابكي يلبغا:"لقد خاطرت بنفسك، ولولا خاطر الملك الظاهر برقوق كنت شنقتك". .. فقال أبو يزيد:"يا خوند، أنا ما فعلت ذلك إلا وقد فرغت عن نفسي وحسبت حساب التلف".
وقد قيل في المعنى:
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه … وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب
فقال له يلبغا:
"خذ لك الكيس بما فيه، ومثلك من يخدم الملوك". .. ثم خرج عنه ونزل إلى بيته.
ثم أن الأتابكي يلبغا الناصري رتب للملك الظاهر برقوق سماطا في كل يوم بكرة وعشية، وجعل عنده ثلاثة مماليك صغارا يخدمونه، وأقام في قاعة النحاس إلى الخميس ثاني عشرى جمادى الآخرة من السنة المذكورة، فطلع إليه الأمير الطنبغا الجوباني رأس نوبة النوب فقيده ونزل به من القلعة في نصف الليل من باب الدرفيل، فأركبه على هجين وركب معه الأمير الطنبغا الجوباني وبعض مماليك، وتوجهوا به على قبة النصر وقصدوا به نحو عجرود، وقد زالت دولة الظاهر برقوق كأنها لم تكن، وقد قاسى مشقة ورعبا في مدة اختفائه، وقد قيل في المعنى:
إني تأملت للعليا فلم أرها … تنال إلا على كد من التعب
ثم أن الأمير عيسى بن مهنا، شيخ العرب، تسلم السلطان برقوق وتوجه به إلى نحو الكرك، ورجع الأمير الطنبغا الجوباني إلى القاهرة، فلما وصل السلطان برقوق الكرك