الأمراء والعسكر بذلك طلعوا إلى الرميلة وهم لابسون آلة الحرب، فنزل إليهم الأتابكي يلبغا الناصري ومن كان من عصبته من الأمراء والمماليك، فأوقعوا معهم واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها، وذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان، وصار العوام والزعر يساعدون منطاش بالحجارة والمقاليع، ثم يلتقطون النشاب الذي يرمونه جماعة يلبغا الناصري ويحضرونه إلى منطاش، ثم تكامل عند منطاش نحو ألفي مملوك، وحضر عنده من الأمراء المقدمين أربعة، وخم: المقر الشهابي أحمد بن يلبغا العمري أمير مجلس، والأمير قرا دمرداش الأحمدي أمير سلاح، والأمير الطنبغا المعلم، والأمير عبد الرحيم ابن منكلى بغا الشمسي، وغير ذلك من الأمراء الطبلخانات والعشراوات.
ثم أن الأمير منطاش قال للأمير ناصر الدين ابن الطرابلسي الزردكاشي:"انصب على مدرسة السلطان حسن مكحلة". .. فامتنع ناصر الدين ابن الطرابلسي من ذلك، فعراه وقصد توسيطه.
ثم أنه نصب مكحلة على المدرسة، ورمى بها على باب السلسلة، فهرب المماليك الذين كانوا في الاسطبل.
ثم أن الأتابكي يلبغا نصب مكحلة على المدرسة الأشرفية التي كانت في راس الصوة ورمى بها على سوق الخيل فلم يفد من ذلك شيء.
ثم أن جماعة من المماليك السلطانية، لما رأوا أن الأمير منطاش منتصف على الأتابكي يلبغا، صاروا يتسحبون من عند يلبغا وينزلون عند منطاش، واستمر الحرب سائرا بينهما يومين، فلما رأى الأتابكي يلبغا عين الغلب هرب تحت الليل هو وجماعة من الأمراء، وهم: الأمير مأمور القلمطاوي أحد المقدمين والأمير الأبغا العثماني الدوادار والأمير أقبغا الجوهري استادار العالية، والأمير كشكلي أحد المقدمين، وبعض مماليك نحو مائتي مملوك … فخرجوا من باب القرافة، وتوجهوا إلى الجبل المقطم، وخرجوا من عند وادي السدرة وقصدوا نحو البلاد الشامية.
وكان الأتابكي يلبغا يظن أنه ينتصف على منطاش، كما أنه قد انتصف على الملك الظاهر برقوق … ما كل مرة تسلم الجرة، فكان كما قيل في المعنى:
واني رأيت المرء يشقى لعكسه … كما كان قبل اليوم يسعد بالسعد
هذا ما كان من أمر الأتابكي يلبغا الناصري.
وأما ما كان من أمر الأمير تمربغا الأفضلي منطاش فانه لما هرب الأتابكي يلبغا، ركب وطلع إلى باب السلسلة واستولى على حواصل يلبغا.