للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت من كربتي أفر إليهم … فهمو كربتي فأين المفر؟

فلما دخل الشهاب البريدي إلى الكرك بلغ ذلك الملك برقوق، وكان للملك الظهر في المكان الذي حبس فيه شباك إلى جهة بلاد الخليل ، فكان برقوق في كل يوم يقف في الشباك ويقول: "يا خليل الله، أنا في حسبك من منطاش". .. قيل إن شخصا من الصالحين رأى الخليل في المنام، فقال له إن برقوق يعود إلى ملكه، وينصر على منطاش

فلما حضر الشهاب البريدي إلى الكرك، تنسم منه الحاج عبد الرحمن البابا الذي كان بخدمة الملك الظاهر برقوق بأنه جاء بقتل أستاذه برقوق. وكان أصل الحاج عبد الرحمن البابا من الكرك، وله أقارب هناك. فلما كانت تلك الليلة التي قدم فيها الشهاب البريدي كانت نوبة أبي علوان السجان، وكان من أقارب الحاج عبد الرحمن البابا، فأنزلوا ذلك البريدي في مكان يسمى الطارمة بجانب المكان الذي فيه السلطان برقوق، وكان نائب الكرك في كل ليلة من شهر رمضان لا يفطر إلا عند السلطان برقوق. فلما كانت تلك الليلة لم يحضر فيها نائب الكرك المذكور، فاضطرب الظاهر برقوق لذلك، وقال: "لا آكل شيئا حتى يحضر النائب". .. ثم بعد ساعة حضر وأكل مع السلطان. فلما فرغوا دخل أقارب الحاج عبد الرحمن البابا على الشهاب البريدي وهو في الطارمة فقتلوه، ثم أرادوا قتل نائب الكرك فاستجار بالسلطان فمنعهم من قتله، فقبضوا عليه وسجنوه، وملك الملك الظاهر قلعة الكرك … فهذه كانت مبدأ سعد الملك الظاهر برقوق، وقد قاسى من المحن والأهوال أمرا عظيما، فكان كما قيل في المعنى:

على قدر فضل المرء تأتي خطوبه … ويعرف عند الصبر فيما يصيبه

ومن قل فيما يتقيه اصطباره … فقد قل فيما يرتجيه نصيبه

فلما جاءت الأخبار بأن برقوق قد ملك قلعة الكرك، اضطربت أحوال الأتابكي منطاش، وخانه المراد، وجنى عليه الاجتهاد، ثم أنه أحضر العسكر وعين تجريدة إلى برقوق.

ثم في أثناء ذلك حضر شخص من العربان الشامية وأخبر بأن الملك الظاهر برقوق قد طرده أهل الكرك وأنزلوه من القلعة وهرب إلى خارج المدينة، وأن العربان قد أحاطوا

<<  <  ج: ص:  >  >>