واليسر بعد العسر موعود به … والنصر بالفرج القريب موكل
والله قد أولاك أمر عباده … لما ارتضاك ولاية لا تعزل
وإذا تولاك الاله بنصره … وقضى لك الحسنى فمن ذا يخذل
فلما كان يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، جلس السلطان في الميدان الذي تحت القلعة، وحكم بين الناس على عادته، ثم بعد مدة أيام قبض على جماعة من الأمراء وهم: يلبغا المنجكي، وطشبغا السيفي تمرباي، وصربغا الناصري، وتلكتمر المحمدي، وعلي الجركتمري، ومنكلى بغا المنجكي، فلما قبض عليهم قيدهم وأرسلهم إلى السجن بثغر الاسكندرية.
ثم أن السلطان عمل الموكب وخلع على القاضي سعد الدين بن البقري واستقر به وزيرا عوضا عن موفق الدين أبي الفرج، وخلع على الصاحب علم الدين سنبرة واستقر به ناظر الدولة الشريفة، وكان في قديم الزمان أن الوزير إذا انفصل من الوزارة يستقر ناظر الدولة طوعا أو كرها ويلزمه السلطان بذلك.
ثم لما كان يوم الأحد رابع عشر ربيع الأول حضر إلى الأبواب الشريفة السيفي كزل مملوك يلبغا الناصري، وصحبته جماعة من أعيان دمشق، فأخبروا بأن منطاش قد ملك مدينة بعلبك، وقد التف عليه جماعة من عسكر دمشق ومن عسكر صفد ومن عسكر طرابلس، والتف عليه جماعة كثيرة من عربان جبل نابلس، وقد نهب عدة ضياع من البلاد الشامية، فأخذ السلطان حذره من ذلك.
وفيها في يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير جمال الدين محمود ابن علي الظاهري، واستقر به استادار العالية وناظر الخواص الشريفة ومشير الدولة، فتزايدت عظمته إلى الغاية، وخلع السلطان على الأمير علاء الدين ابن الطبلاوي واستقر به والي القاهرة عوضا عن الصارمي.
وفي يوم الخميس حادي عشرى رجب جاءت الأخبار من حلب بأن منطاش أرسل شخصا يسمى تمان تمر الأشرفي إلى مدينة حلب، وكان نائب حلب كشبغا الحموي قد ثقل أمره على أهل حلب، فما صدقوا بهذه الحركة، فحاصروا نائب حلب أشد المحاصرة وتعصبوا إلى منطاش، فنقبوا القلعة من ثلاثة مواضع، فصار كمشبغا نائب حلب يقاتلهم من داخل النقب على البرج، واستمروا على ذلك نحو ثلاثة أشهر، فانتصر كمشبغا نائب حلب على تمان تمر الأشرفي الذي ولاه منطاش على حلب، فانكسر تمان تمر وولى هاربا.