في كل يوم بالشام في المواكب العظيمة مثل مواكب السلطان، والأمراء والنواب قدامه، والدف والشبابة والأوزان والجاويشية والشعراء قدامه، وكان يركب في خدمته من الأمراء المقدمين ما يزيد على خمسة وعشرين أميرا، واجتمع عنده من النواب ومن عساكر البلاد الشامية نحو أربعة آلاف إنسان ما بين تركمان وعربان وغير ذلك من العساكر … فحدثت نفس تنم أنه صار سلطانا لا محالة، وعظم في نفسه.
هذا ما كان من أمر تنم نائب الشام، وأما ما كان من أمر الملك الناصر فرج بعد خروجه من مصر، فانه لما خرج من مصر كان أكثر الناس لا يشكون أنه هو المكسور لا محالة، وأن تنم هو المنتصر عليه، والله غالب على أمره. وكان أكثر الأمراء والعساكر خامروا على السلطان في الباطن، ومالوا إلى تنم نائب الشام، والسلطان بينهم مثل العصفور في يدي النسور، فخرج من مصر وهو في غاية الضنك، فكان كما قيل في المعنى:
خف إذا أصبحت ترجو … وارج ان أمسيت خائف
رب مكروه مخوف … فيه الله لطائف
فلما وصل السلطان كان أقبغا اللكاش نائب غزة خرج هو ونائب حماه ونائب صفد إلى قتال الملك الناصر، فألقى الله تعالى الرعب في قلوب النواب … فأول من دخل تحت طاعة السلطان دمرداش نائب حماه، وكذلك نائب صفد، فلما رأى عسكر الشام دخول النواب تحت طاعة السلطان خامر الجميع على تنم نائب الشام ودخلوا تحت طاعة السلطان وتوجهوا إليه في غزة. ثم أن نائب غزة أبغا اللكاش هرب من وجه الملك الناصر، فملك السلطان مدينة غزة، فلما بلغ ذلك تنم نائب الشام خرج من الشام هو والأتابكي أيتمش وبقية الأمراء وأتوا إلى مدينة الرملة، فصار السلطان في غزة وهم في الرملة.
ثم أن السلطان أرسل إلى تنم نائب الشام، وإلى الأتابكي أيتمش قاضي القضاة صدر الدين المناوي الشافعي، والأمير ناصر الدين بن الرماح بأن يمشوا في أمر الصلح بينهم وبين السلطان … فتوجهوا إليهم ثم أنهم عادوا بالجواب بأنهم قد أبوا الصلح ولم يوافقوا على ذلك.
فلما سمع السلطان جوابهم ركب من غزة هو والأمراء والعسكر وتوجهوا إليهم، وذلك في يوم السبت ثاني عشرى رجب، فتلاقى العسكران على مكان يسمى الحبتين، فكان بينهم هناك واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها، فلم تكن إلا ساعة يسيرة حتى وقعت الكسرة على تنم نائب الشام وأمسك، واحتاطوا على بركه ودوابه.
ثم أن الأتابكي أيتمش وبقية الأمراء هربوا وتوجهوا إلى نحو الشام، ثم أن العساكر المصرية نهبوا مدينة الرملة وسبوا أهلها.