ثم أن الأمير جكم العوضي توجه خلف الذين هربوا إلى الشام فقبض على الأتابكي أيتمش البجاسي، وعلى الأمير تغرى بردى أمير سلاح، وعلى الأمير أقبغا اللكاش نائب غزة، والأمير بيقجا طيفور حاجب الحجاب بدمشق، والأمير أرغون شاه البيدمري أمير مجلس، والأمير يعقوب شاه الكشبغاوي، والأمير فارس حاجب الحجاب … فلما قبض عليهم قيدهم وحبسهم بقلعة دمشق، ونادى في الشام بالأمان والاطمئنان، والبيع والشراء، والدعاء بالنصر للسلطان الملك الناصر، فضج أهل الشام له بالدعاء، ثم بعد أيام وصل السلطان إلى دمشق، وكان يوم دخوله إليها يوما مشهودا، ودخل في موكب عظيم وقدامه تنم نائب الشام وهو مقيد راكب على كديش أبلق ومعه عشرة من أمراء دمشق وهم في قيود، فحبسهم في قلعة دمشق عند الأتابكي أيتمش … وفيه يقول بعض الشعراء:
أملت أنك لا تزال بكل من … عاداك بالنصر القريب مظفرا
ورجوت أن تطأ الكواكب رفعة … من فوق أعناق العدا وكذا جرى
ولما دخل السلطان إلى دمشق نزل بالقصر الأبلق. ثم أنه شرع في القبض على أصحاب تنم نائب الشام وحاشيته، فكان من جملة من أمسك من الأمراء الأمير علاء الدين بن الطبلاوي - وقد تقدم أن الملك الظاهر برقوق نفاه إلى القدس - فلما مات الملك الظاهر هرب وتوجه إلى تنم نائب الشام، وصار يفرع الظلم بدمشق كما كان يفعل بمصر.
ثم أراد السلطان أن يقبض على الناصري محمد بن تنكز نائب الشام فهرب تحت الليل وتوجه إلى بلاد التركمان، فكان كما قيل في المعنى:
من عاشر الزبداني فاحت عليه روايحو … ويحترق بشرار ومن عاشر الحداد
فلما كان يوم الخميس خامس عشرى شعبان حضر إلى القاهرة قمج الخاصكي وعلى يده مثالات شريفة تتضمن أخبار هذه النصرة التي حصلت للسلطان، وقد حضر قمج المذكور من البحر المالح من على الطينة لأن الدرب السلطان كان مضطرب الأحوال بسبب فساد العربان. فلما جاء هذا الخبر إلى القاهرة نادى نائب الغيبة في القاهرة بالزينة، فزينت سبعة أيام.
ومن الحوادث في غيبة السلطان أن الأمير يلبغا الأحمدي المعروف بالمجنون - وكان استادارا بالديار المصرية - لما توجه السلطان إلى الشام صار يرمي الفتنة بين الأمراء الذين كانوا في القاهرة، فوثبوا على بعضهم ووقع بينهم الحلف، وصار كل واحد منهم كل