مبتدأ دولته، ثم انتقلت الوظائف من بعد ذلك إلى جماعة من الأمراء حسبما يأتي ذكر ذلك في مواضعه عند انتقال الوظائف.
ثم أن الملك الظاهر أنعم بتقادم ألوف على جماعة من الأمراء، وأنعم على جماعة بامريات طبلخانات، وعلى جماعة بامريات عشرة، وأرضى جماعة المؤيدية والناصرية بكل ما يمكن من ذلك.
ثم أنه أنفق على العسكر نفقة السلطنة، وفرق الاقطاعات على المماليك السلطانية والمماليك السيفية الذين كانوا سببا لسلطنته … فأقام في السلطنة مدة يسيرة والأمر ساكن، ثم بات الناس وأصبحوا وقد أشيع في ليلة عيد الفطر - والناس في اضطراب - أن الملك يوسف قد تحسب من القلعة ونزل بعد المغرب في صفة صبي طباخ، وعليه ثياب رثة، وعلى رأسه دست طعام، وقد لوث وجهه بسواد الدست فكان ذلك فألا عليه. فلما وصل إلى باب القلعة ضربه الطباخ الذي وراءه واستخفه في المشي. فلما نزل من القلعة اضطربت الأحوال، وكان مماليك أبيه أوقعوه في هذه البلية، فلما وقع عنه وتبرأ كل أحد منه. فكان كما قيل في المعنى:
لقاء أكثر من يلقاك أوزار … فلا نبال أغابوا عنك أو زاروا
أخلاقهم حين تبلوهن أو عار … وفعلهم مأتم للمرء أو عار
لهم لديك إذا جاءوك أوطار … إذا قضوها تنحوا عنك أو طاروا
ثم أن الملك العزيز استمر مختفيا نحو شهر، والوالي في كل ليلة يكبس البيوت والحارات بسبب الملك العزيز، وصار كل من كان له عدو يكذب عليه فيكبسون بيته.
واستمر الناس في جمرة نار مطلوقة إلى أن توجه الملك العزيز إلى بعض الأمراء فنم عليه، فلما بلغ بلباي المؤيدي ذلك - وكان ساكنا في زقاق حلب - جاء ماشيا وقبض على الملك العزيز وتوجه به إلى باب السلسلة، فأنعم عليه السلطان بخمسمائة دينار وجعله أمير أربعين وقيد العزيز، ودقت الكئوسات تحت الليل بسبب ذلك. فلما أصبح الصباح ونزلوا بالملك العزيز من القلعة، توجهوا به إلى البحر ومضى إلى الاسكندرية فسجن بها، وآخر الطب الكى، وكم عجلة أعقبت ندامة … وكان قصد الملك الظاهر أن يزوج الملك العزيز ويبقى ساكنا في القلعة، فما سلم من مماليك أبيه، وحسنوا له الهروب حتى هرب، وقد دخلوا في خطيئته برأيهم المعكوس. وفي هذه الواقعة يقول بعض الشعراء من أبيات: