الدين الاقصرائي الحنفي - وكان قد تأخر عن الحضور فأرسل خلفه السلطان - فلما حضر أعاد إليه كاتب السر الكلام أنكره غاية الانكار وقال في الملأ العام من ذلك المجلس:"لا يحل للسلطان أن يأخذ أموال الناس إلا بوجه شرعي وإذا نفد جميع ما في بيت المال ينظر إلى ما في أيدي الأمراء والجند وحلى النساء فيأخذ منه ما يحتاج إليه.
وإذا لم يوف بالحاجة، ففي ذلك ينظر في المهم: إن كان ضروريا في المنع عن المسلمين حل ذلك بشرائط متعددة … وهذا هو دين الله تعالى، ان سمعت آجرك الله على ذلك، وان لم تسمع فافعل ما شئت، فإنا نخشى من الله تعالى أن يسألنا يوم القيامة ويقول لنا: لم لا نهيتموه عن ذلك وأوضحتم له الحق؟ … ولكن السلطان ان أراد أن يفعل شيئا يخالف الشرع فلا يجمعنا، ولكن بدعوة فقير صادق يكفيكم الله مؤنة هذا الأمر كله". .. ثم قام
فانجبه منه السلطان، وانفض المجلس من غير طائل، وكثر القال والقيل، وشكر الأمراء الشيخ أمين الدين على ذلك وغالب الناس، وكثر الدعاء في ذلك اليوم للشيخ أمين الدين ﵀، وعد هذا المجلس من النوادر.
ثم أن السلطان نادى للجند بالعرض وأخذ في أسباب خروج تجريدة، فلما أن دخل الدهيشة وهو في غاية الحدة من الشيخ أمين الدين الأقصرائي، وإذا بالأخبار جاءت إليه من ثغر دمياط بقرار الظاهر تمربغا من دمياط، وأن شيخ العرب محمد بن عجلان وعيسى بن سيف الدين أنزلوه في مركب وطلعوا به من الطينة وقصدوا به نواحي حلب.
فلما تحقق السلطان ذلك اضطربت أحواله، وضاق الأمر عليه من كل جانب، ونسي ما كان فيه من أمر سوار وعرض العسكر.
ثم زاد القال والقيل في هروب الظاهر تمربغا من دمياط، فعند ذلك عين السلطان يشبك الدوادار بأني خرج ويلاقي الظاهر تمربغا من غزة فخرج على جرائد الخيل مسرعا.
ثم أن السلطان نادى في القاهرة بأن لا يخرج أحد من بيته بعد صلاة العشاء ولا يحمل سلاحا ولا يحصل كلام، وحصل للناس في تلك الأيام غاية القلق.
وفيه قرر قضاء الشافعية بدمشق قطب الدين الخيضري عوضا عن ابن الصابوني مضافا لما بيده من كتابة السر. ثم قرر في نظر الجيش البدر ابن المزلق عوضا عن ابن الصابوني أيضا بحكم القبض عليه.
وفيه جاءت الأخبار بأن سبع وسباع - ولدى هجار - وثبا على الينابعة. وكان قد خرج إليهما علي بن بركات - أخو صاحب مكة المشرفة - فكسروه … وهذه أول فتنة الينبع.