وفيه عمل السلطان المولد النبوي في القلعة وكان يوما حافلا، وحضر القضاة الأربعة، وجميع الأمراء. فلما انقضى أمر المولد نزل السلطان من القلعة، وقصد التوجه إلى ثغر الإسكندرية، فسافر من البر، وجهز سنيحه في المراكب. وسافر صحبته من الأمراء:
الأتابكي أزبك أمير كبير، ويشبك الدوادار، وتمراز رأس نوبة النوب، وازدمر الطويل حاجب الحجاب، وعدة من الأمراء الطبلخانات، والعشراوات، والجم الغفير من الخاصكية، والمماليك السلطانية. وسافر معهم سائر المباشرين. وكان القاضي كاتب السر ابن مزهر متوعكا في جسده، وخرج وسافر مع السلطان وهو عليل.
وكان علم الدين شاكر بن الجيعان مريضا، على غير استواء، فتخلف بالقاهرة، وإنما سافر معه ولده عبد المغني. فلما وصل السلطان إلى مدينة الإسكندرية، زينت له زينة حافلة، وخرج إلى لقائه الملك المؤيد أحمد بن الأشرف اينال، وهو بالشاش والقماش.
وكذلك قجماس الإسحاقي نائب ثغر الإسكندرية … واصطف الناس في شوارع المدينة بسبب الفرجة. فدخل السلطان في موكب حافل، وجميع من معه من الأمراء والعساكر ملبسين بآلة السلاح بالعدد الكاملة. والأتابكي أزبك حامل القبة والطير على رأسه والملك المؤيد بين يديه قدام الأمراء، وقدامه أعيان المباشرين، وأرباب الدولة، وطلب طلبا حافلا وجر فيه مائتين وخمسين فرسا، منها خمسون فرسا بالسروج الذهب والكنابيش، والبقية ملبسة بأنواع الجواغين المكفتة، والبركستوانات من المخمل الملوا، وفي الطلب كجاتوش زركش، وهي التي تعرف الآن بالجوشن، ولعبوا قدامه بالغواشي الذهب، والأوزان عمال، والشبابة. ومشت قدامه الأمراء رءوس النوب بالعصى، وشق المدينة في ذلك الموكب الحافل، وكان له يوم مشهود.
ثم أن بعض تجار الإفرنج نثر على رأسه ألف بندقي ذهبا، فتزاحمت عليه المماليك يلتقطون ذلك الذهب من الأرض، فكاد السلطان يسقط عن ظهر فرسه من شدة ازدحام الناس عليه، حتى أدركه الأمير تمراز وبيده عصا، فضرب الناس حتى خلص السلطان ومشى. واستمر في ذلك حتى خرج إلى باب البحر الذي هناك، فنزل بالمخيم الذي نصب له على ساحل البحر الملح. وكان من العادة القديمة أن السلطان إذا دخل إلى مدينة الاسكندرية، تفك أبواب المدينة، وتلقى على الأرض إلى أن يرحل السلطان عن المدينة
فلم يوافق السلطان قايتباي على ذلك، وأبقى كل شيء على حاله. ولم يدخل الإسكندرية سلطان من عهد الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون، وقد دخلها مرتين: