للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه خلع السلطان على ألماس الأشرفي وقرره في شادية الشرابخاناه، وقرر بيبرس الرحبي قريب السلطان في استادارية الصحبة عوضا عن ألماس.

وفيه سافر السلطان إلى ثغر الإسكندرية، وهي السفرة الثانية، فتوجه من البحر في عدة مراكب كثيرة. وكان سبب توجه السلطان من البحر كثرة ماء النيل في طرقات البلدان.

وكان معه من الأمراء الأتابكي أزبك، ويشبك الدوادار، وخاير بك ابن حديد، وأزبك اليوسفي، وآخرون من الأمراء المقدمين، وعدة وافرة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات، والجم الغفير من الخاصكية من المماليك السلطانية. وكان معه من المباشرين القاضي كاتب السر ابن مزهر، وغيره من أعيان المباشرين. وكان الشهابي أحمد بن العيني، وسيدي منصور بن الملك الظاهر خشقدم، وغير ذلك من الأعيان. وكان له ببولاق يوم مشهود عند نزوله إلى البحر. وكان سفر السلطان إلى الإسكندرية في هذه المرة لأجل البرج الذي أنشأه هناك. وقد انتهى العمل منه فتوجه إليه ليرى هيئته. فلما دخل مدينة الإسكندرية لم يركب بها مثل أول مرة، ولا حملت القبة والطير على رأسه.

فلما نزل بالمخيم مد له نائب الإسكندرية مدة حافلة. ثم توجه إلى رشيد وكشف عن البرج الذي أنشأه هناك بها، ثم كشف عن البرج الذي أنشأه بثغر الإسكندرية مكان المنار القديم، فجاء من محاسن الزمان، ومن أعظم الأبنية، وأجل الآثار الحسنة. ومن نوادر أفعال الملوك كما قيل:

ليس الفتى بفتى يستضاء به … حتى يكون له في الأرض آثار

وقيل أن صفة بنيان هذا البرج، أن دهليزه عقد على قناطر في البحر الملح، من الساحل حتى ينتهي إلى البرج، وأنشأ بهذا البرج مقعدا مطلا على البحر ينظر منه من مسيرة يوم إلى المراكب وهي داخلة إلى المينا، وجعل بهذا البرج جامعا بخطبة، وطاحونا وفرنا وحواصل. وشحنها بالسلاح، وجعل حول هذا البرج مكاحل معمرة بالمدافع ليلا ونهارا، لئلا تطرق الإفرنج الثغر على حين غفلة، وجعل بها جماعة من المجاهدين قاطنين به دائما، وأجرى عليهم الجوامك والرواتب في كل شهر، وجعل شادا من خواصه وهو باش عليهم، يقال له قانصوه المحمدي الخاصكي، وهو الذي تولى نيابة الشام فيما بعد، وصار يعرف بقانصوه البرجي. وقيل أن السلطان صرف على بناء هذا البرج زيادة عن المائة ألف دينار، وأوقف عليه الأوقاف الجليلة، وجاء من أحسن الآثار والمعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>