وفيه نزل السلطان إلى قبة الأمير يشبك، فلما عاد وقف له جماعة من العوام، وشكوا له من أمور الحسبة بأنها ضائعة، وأنه من بعد العصر ما يوجد الخبز على الدكاكين. فلما طلع إلى القلعة وأصبح، رسم للصاحب قاسم شغيته بأن يتكلم في الحسبة، عوضا عن يشبك الجمالي. وكان لما تولى الزردكاشية أهمل أمر الحسبة، وضاعت المصالح في أمر البضائع وغيرها، وسعر الغلال، ووقع بالقاهرة تشحيطة في الخبز في تلك الأيام، وكادت أن تكون غلوة.
وفيه عين السلطان الأمير يشبك الدوادار للخروج إلى حماه، بسبب قتال سيف أمير آل فضل الذي قتل أزدمر نائب حماه، كما تقدم ذكر ذلك … وهذه السفرة كانت آخر العهد بالأمير يشبك، ولم يعد منها إلى مصر، وعين معه من الأمراء المقدمين برسباي قرا، وتاني بك قرا، وعدة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات، وعدة وافرة من الجند. وقد لهج الناس بأن هذه التجريدية خرجت إلى سيف، وكان الأمر كذلك. وراح أكثر الأمراء والعسكر على السيف كما سيأتي الكلام على ذلك في موضعه، فكان كما قيل في المعنى:
لا تنطقن بما كرهت فربما … تطق اللسان بحادث سيكون
وقال آخر:
احفظ لسانك أن تقول فتبتلى … إن البلاء موكل بالمنطق
وكان الأمير يشبك له غرض تام في السفر إلى ديار بكر. وقد سأل السلطان في ذلك بنفسه. والسبب في ذلك أن الأمير يشبك كان قد وقع بينه وبين جلبان السلطان بسبب جانم الشريفي، وقد اتهم به أنه شغله، فصار معهم في تهديد وقصدوا قتله غير ما مرة، فحسن له بعض الأعاجم أن مملكة حسن الطويل سائبة، وأن العسكر مختلف على ابنه يعقوب، ومتى حاربتهم لا يقدرون على محاربتك ويسلمونك مملكة العراق قاطبة. فانصاع الأمير يشبك لهذا الكلام، وسأل السلطان السفر بنفسه، حتى يجعل الله لكل شيء سببا، لنفوذ القضاء والقدر كما قيل في المعنى:
أتطمع من ليلى بوصل وإنما … تقطع أعناق الرجال المطامع