وفي ثالث رمضان كانت وفاة الزيني أبي بكر ابن مزهر، كاتب السر بالديار المصرية، وهو أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن عثمان، المعروف بمزهر الدمشقي الأنصاري الشافعي. وكان عالما فاضلا، عارفا بالفقه رئيسا حشما انتهت إليه رياسة عصره، وكان وجيها عند الملوك والسلاطين، وتولى من الوظائف السنية عدة، منها نظر الإصطبل ونظر الجيش وكتابة السر، ودام بها نيفا وعشرين سنة حتى مات وهو مقرر بها، وتكلم في وظيفة قضاء الشافعية مدة، ومولده سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وكان قد شاخ وكبر سنه فلما مات رثيته بهذين البيتين من قصيدة قلتها فيه:
صارت مرامله كمثل أراملي … تبكي بأعينها دما وتترب
وكذا الدواة تسودت أقلامها … حزنا عليه وأقسمت لا تكتب
وكانت جنازته مشهودة، وغطى نعشه بمرقعة من الصوف. فلما توفي خلع السلطان على ولده المقر البدري محمد، وقرره في كتابة السر بمصر عوضا عن أبيه بحكم وفاته.
وذلك في يوم الخميس سادس عشرة، وأخذ منه ما لا له صورة حتى تولى هذه الوظيفة، وكان شابا في عشر الثلاثين لما قرر في كتابة السر وكان السلطان محتفلا به فاستخلص منه أموال أبيه بحسن عبارة. ولما تولى كتابة السر قلت فيه هذين البيتين:
تشرف ذا الإنشاء من آل مزهر … بنجل سما قدرا وشاع له ذكر
أضاءت به الأيام في مصر بهجة … ولم لا وقد أضحى يلوح لها البدر
وفيه جاءت الأخبار أن أزبك الأمير الكبير ملك باب الملك، واستخلصه من أيدي عسكر ابن عثمان بعد أن أتوا إليه في ستين مركبا وهي مشحونة بالسلاح والمقاتلين، فقلق العسكر من ذلك وانقطعت قلوبهم وظنوا أنهم هم المأخوذون. فبينما هم على ذلك إذ بعث الله تعالى بريح عاصفة فغرق غالب تلك المراكب في البحر الملح، والذي فر من البحر من العسكر العثماني وطلع إلى البر قتله العسكر المصري. وكانت النصرة لهم على العثمانية وكانت على غير القياس. فلما تحقق السلطان هذا الخبر سر به ولم يصدق بذلك.
وفيه جاءت الأخبار من بلاد المغرب بوفاة صاحب تونس السلطان المتوكل على الله عثمان بن محمد بن محمد بن العزيز أحمد الهناني الموحدي، وكان ملكا جليلا أقام في