ولما كان يوم الأحد سابع عشرى هذا الشهر، كانت وفاة الملك الأشرف قايتباي رحمة الله عليه. توفي بعد العصر من ذلك اليوم، وبات بالقلعة. فطافت له نذراء بالقاهرة، وهم يقولون:"يصلّى غدا باكر النهار على العبد الفقير إلى الله تعالى، الملك الأشرف قايتباي، ﵀". فتأسف عليه الكثير من الناس.
فلما كان يوم الاثنين ثامن عشريه، وهو اليوم الثالث من سلطنة ولده، شرع الأمراء في تجهيزه وإخراجه. فغسل في البيت الذي مات فيه، وأخرج نعشه قدام الدكة التي بالحوش، وصلى عليه هناك، ونزلوا به من سلم المدرج، ومشت قدامه الأمراء والعسكر قاطبة، وكانت جنازته مشهودة، بخلاف من يموت من الملوك. فتوجهوا به إلى تربته التي أنشأها بالقرب من زاوية سيدي عبد الله الموفي ﵀. فدفن بها وانقضت مدته من الدنيا كأنها لم تكن، وزال ملكه بعد أن حكم بالبلاد الشامية والبلاد المصرية تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وواحدا وعشرين يوما، وهذه المدة لم تتفق لأحد من ملوك الترك قبله. وقد قيل في المعنى:
إن الذي اغتر بالدنيا وزينتها … وظل فيها بحب المال مفتونا
أتت إليه المنايا وهي مسرعة … فأصبح الجسم تحت الترب مدفونا
قد فارق الأهل والأوطان وانقطعت … آماله وغدا في القبر مرهونا
خلا بأعماله ما كان من حسن … أو من قبيح به قد صار مقرونا
*****
وفي ذي الحجة فرق السلطان الملك الناصر الضحايا على العادة للعسكر.
وفيه أنعم السلطان بتقادم ألوف، على جماعة من الأمراء منهم: أزبك اليوسفي الظاهري جقمق المعروف بقشق، وكسباي الزيني، ويشبك العجمي المعروف بقمر، وقرقماس بن ولي الدين.
وفيه كتب المراسيم بحضور الأمراء الذين كانوا أخرجوا إلى النفي من حين كانت وقعة قانصوه خمسمائة وأقبردي، وكتب بحضور قانصوه الشامي الذي كان قرر في نيابة