هؤلاء في السجن من حين ركب أقبردي الدوادار وانكسر. فلما ظهر هؤلاء كثر القال والقيل في سبب ظهورهم. ثم أن السلطان صرح في قوله وقال:"أنا ما رسمت بالإفراج إلا لأصلح بينهم وبين الطائفة التي من عصبة قانصوه خمسمائة". فلما ظهروا وطلعوا إلى القلعة قرى السلطان تلك الليل ختمة، ومد أسمطة حافلة، وباتوا عنده … فلما صلوا العشاء أحضر عدة خلع، فخلع على مصرباي وعينه أمير آخور كبير، وخلع على أبي يزيد الصغير وعينه دوادارا ثانيا، وخلع على قنبك أبي شامة وعينه نائب القلعة، وقرر آخرين منهم في تقادم ألوف، وآخرين في أمريات عشرة. وكل هذا خفة وطيش وصبينة من الملك الناصر. وقد طاش إلى الغاية لما خرج كرتباي الأحمر إلى الشام، وكان يظن أنه ما بقي على يده يد. وكل هذا من عقل الصغار فكان كما قال المعمار:
دي دولة خواطر … تسويقه معتر
خليلي وشامي … والخيار مقصر
فلما جرى ذلك تحت الليل، بلغ الأمراء الذين من عصبة قانصوه ما وقع من السلطان تلك الليلة. فلما طلع النهار لبسوا آلة الحرب، وصعدوا إلى القلعة، ووثبوا على بعضهم بها، وكانت فتنة مهولة، فقتلوا الأمير أبا يزيد الصغير، والأمير برسباي الأشقر، وهرب الأمير مصرباي، وقتل قنبك أبو شامة، واتسعت الفتنة، وقتل في هذه المعركة جماعة من الخاصكية، وقد هموا بقتل السلطان لولا أنه اختفى، ثم نزلوا بجثة أبي يزيد على حمار، وتوجهوا بها إلى داره ليغسلوه ويدفنوه. ثم نزل جماعة من المماليك ونهبوا بعض أماكن الأمراء الذين من حلف أقبردي، ونهبوا بيت الناصري محمد بن خاص بك لكونه كان صهر أقبردي الدوادار. فلما بلغ الأتابكي أزبك ما جرى طلع إلى القلعة، واجتمع بالسلطان، ولامه على هذه الأفعال الشنيعة التي تصدر منه، فلم يلتفت إلى كلامه.
ثم نزل الأتابكي أزبك إلى داره، وقد خمدت هذه الفتنة قليلا، وكان ذلك في يوم الخميس حادي عشري ربيع الآخر.
*****
وفي جمادى الأولى وقع من الناصر غاية القبح في حق الأمراء المقدمين، بأشياء ما سبقه إليها أحد، وهو أنه أضاف لكل أمير مقدم ألف ثلاثين مملوكا من المماليك الجلبان، يأخذون من إقطاعه في كل سنة، كل واحد منهم عشرة آلاف درهم. وأضاف إلى أمير كبير أربعين مملوكا لكل واحد كما تقدم، وأضاف إلى كل أمير طلبخانات عشرة من المماليك يأخذون من إقطاعه كما تقدم. وأضاف إلى كل أمير عشرة خمسة مماليك يأخذون