للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ليلة الخميس مستهل رجب، جرى من الحوادث الغريبة أن الأتابكي قصروه طلع إلى القلعة ليبيت عند السلطان … وكان يبيت بالقلعة ليلة الاثنين وليلة الخميس في تلك الأيام. فلما طلع على جاري العادة وأكل السماط، وجلسوا ساعة يتحدثون، قال له السلطان: "قلبي خائف منك يا أمير كبير". فلما صلى العشاء مع السلطان أمر بعض الخاصكية بالقبض عليه، فأقاموه من مجلس السلطان، وتوجهوا به إلى المكان الذي أنشأه الظاهر قانصوه بجوار الدهيشة، فأقام هناك أياما ثم أمر بخنقه فخنق تحت الليل، وغسل وكفن، وأنزلوه من باب الدرفيل، فدفن في تربة الصاحب خشقدم الزمام التي بالقرب من حوش العرب.

وكان قصروه أميرا جليلا رئيسا حشما مهيبا مبجلا، وأصله من مماليك الأشرف قايتباي، وتولى عدة وظائف سنية منها نيابة حلب، ونيابة الشام، والأتابكية بمصر. وكان في أيام العادل له الأمر والنهي في الموكب، وإذا نزل من القلعة يتوجه معه الأمراء إلى الأزبكية، وجميع قراء البلد والوعاظ. وعزم على سائر الأمراء في ليلة، وعمل أسمطة حافلة جدا، وحضر عنده جميع الأمراء أكابرهم وأصاغرهم وباتوا عنده، وأنعم في تلك الليلة على جماعة من الأمراء بخيول ومال، حتى استمال قلوبهم. وكان يوصف بالكلام الزائد مع الشجاعة، فوعد العسكر بكل جميع، فمالوا إليه، وعولوا في السلطنة عليه

فلما بلغ العادل ذلك المجلس استغنم الفرصة، وبادر بالقبض عليه، وخنقه تحت الليل ودفنه، فكان كما قيل في الأمثال:

وانتهز الفرصة إن الفرصة … تصير إن لم تنتهزها غصة

وقد قلت في واقعة قصروه عدة مقاطيع منها:

أعجبوا من أمر قصروه الذي … ملكه بالشام جهلا قد ترك

وأتى مصرا فما نال المنى … ورماه الدهر في وسط الشرك

وقولي فيه:

كان قصروه قصيرا عمره … خانه الدهر فولى مسرعا

طلبوا التسليم منه فأبى … ثم ما سلم حتى ودعا

<<  <  ج: ص:  >  >>