ولما مات الأشرف جان بلاط كان له من الغمز زيادة على الأربعين سنة. ولما مات على تلك الحالة رثيته بهذه الأبيات:
جان بلاط بدا له … طالع النحس طرده
نجمه لاح مخبرا … بعكوس مؤبده
عند ما ظن أنه … نال بالملك مقصده
جاءه الموت عاجلا … في بروج مشيده
وفي يوم الخميس سابعه صعدت خوند الخاصكية زوجة الملك العادل طومان باي إلى القلعة. فخرجت من بيتها الذي بقنطرة سنقر، وهي في محفة زركش، ومشى قدامها رؤوس النوب والحجاب والخاصكية، وهم بالشاش والقماش، ومشى أيضا قدامها الوالي، ونقيب الجيش، وعبد اللطيف الزمام، وأعيان الأكابر والمباشرين، منهم: كاتب السر صلاح الدين بن الجيعان، وعبد القادر القصروي ناظر الجيش، وعلاء الذين ابن الصابوني، وناظر الخاص، وبقية المباشرين قاطبة، وأعيان الطواشية، منهم: عنبر مقدم المماليك، وآخرون من الخدام، وكان معها من نساء الأمراء والأعيان نحو مائتي امرأة.
فلما وصلت إلى باب الستارة فرشت لها الشقق الحرير تحت حوافر بغال المحفة، ونثر عليها خفائف الذهب والفضة، وحمل الزمام القبة والطير على رأسها حتى جلست بقاعة العواميد، والنوبة السلطانية عمالة، وكان يوما بالقلعة مشهودا، واستمر لهم بالقلعة عمالا ثلاثة أيام، وكان لها موكب حافل لما شقت من الصليبة، وكان قدامها المجمع السلطاني، والبقج وطشت وإبريق بلور، ومدورة زركش … ولم يتقف لإحدى الخوندات قبلها أنها نزلت من القلعة، وعادت إليها على هذا الوجه، سوى هذه وخوند أصل باي، أم الملك الناصر، ولكن هذه أعظم وأحكم موكبا، وقلت في هذه الواقعة أبياتا لطيفة المعنى:
عادت خوند إلى سرور ثان … مذ زوجت بالعادل السلطان
في وجهها الإقبال والبشر الذي … يتقاولون به بكل لسان
طلعت كشمس الأفق ضمن محفة … تجلى كحور العين وسط جنان
في موكب يحكي مواكب قيصر … فاقت على كسرى أنو شروان
لما أتت عند الصعود لقلعة … نثرت عليها الدر كالعقيان
عادت إلى الأوطان في بشر وفي … عز وإقبال وصفو زمان
نالت مراتب عزها مذ أقبلت … عاد السرور بمقدم السكان
واستبشرت دار بها سكنت وقد … رقصت بها طربا على العيدان