وفيه تزايد أمر التفتيش على العادل فهجموا بسببه دار سيدي علي بن المؤيد أحمد بن الأشرف أينال فلم يجدوا بها أحدا، وهجموا زاوية الشيخ أبو شامة التي بالناصرية، وصاروا يهجمون عليه عدة بيوت وأماكن. وكان العادل في مدة اختفائه يكتب أوراقا ويرسل يعلقها عند سوق السلام بالقبو وغير ذلك من الأماكن التي يجتمع بها الأتراك، ويكتب فيها أنه إذا عاد إلى السلطنة ينفق على العسكر مائتي دينار لكل واحد منهم وفرس، وأن الذي وقع منه في الماضي لا يعاد، ونحن أولاد اليوم.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرة، حضر قانصوه الخازندار، وكان الظاهر قانصوه خال الناصر أرسله قاصدا إلى ابن عثمان ملك الروم، فكانت مدة غيبته في هذه السفرة سنة وثلاثة أشهر، فلما حضر أكرمه السلطان وخلع عليه.
وفيه قبضوا على العادل طومان باي من مكان بالقرب من بيت الأتابكي جرباش كرد الذي عند زاوية الشيخ خلف، وكان من ملخص أمره أنه لما طال اختفاؤه، وصارت الأمراء على رءوسهم الطيرة منه، ولا ينامون في بيوتهم إلا ومماليكهم لابسون آلة السلاح ليلا ونهارا، فلما تزايد الأمر أخذوا في أسباب عمل الحيلة على العادل، فاستمالوا جاني بك الذي كان شاد الشراب خاناه وجاني بك الشامي وكان من أخصاء العادل، فوعدوا كلا منهما بتقدمة ألف، وكانا يجتمعان على العادل في مدة اختفائه، فحسنوا للعادل بأن يجيء إلى بيت جاني بك الشامي الذي بجوار بيت الأتابكي جرباش كرد، وكان الأمير مصر باي الدوادار ساكنا في بيت الظاهر تمربغا الذي عند سوق القبو خلف بيت الأتابكي جرباش، فقرروا مع العادل أنه إذا حضر إلى بيت جاني بك الشامي يهجمون على مصر باي بعد العشاء وهو جالس في مقعده، فيدخلون عليه من باب سر الأتابكي جرباش الذي خلف بيت تمربغا فيقتلونه تحت الليل على حين غفلة، فإذا قتل مصرباي يركب العادل من هناك ويحطم باب السلسلة فيملكه، فانصاع العادل إلى هذا الكلام وحضر إلى بيت جاني بك الشامي … وكان هذا عين الخداع، وصار من تدبيره، ما عاد في تدميره. فلما صار عنده في البيت مد له أسمطة حافلة وبات عنده، فأرسل جاني بك الشامي أعلم مصر باي بذلك، فبينما العادل في أرغد عيش فما شعر إلا وقد هجموا عليه وأحاطوا بالمكان الذي به وقد تمت الحيلة عليه، كما يقال:
لا تركنن إلى الخريف فماؤه … مستوخم وهواؤه خطاف
يمشي مع الأجسام مشي صديقها … ومن الصديق على الصديق يخاف