قيل لما هجموا عليه قام وهرب فتسلق من على حائط ورمى بنفسه من أعلى الحائط فوقع على فخذه فانكسر نصفين، فأدركه شخص من مماليك الأشرف جان بلاط يقال له أرزمك فقطع رأسه، وصار كل من مماليك جان بلاط وقصروه، يشتفي منه ويضربه بالسيف حتى هروه، فلما قطعوا رأسه أحضروها بين يدي مصرباي الدوادار، فوضعها في طبق من النحاس، وأخرجها من بيته والمشاعلية تنادي عليه:"هذا جزاء من يسفك الدماء ويقتل الأمراء بغير حق"، فعز ذلك على بعض الأمراء. فلما عرضت رأسه على السلطان رسم بدفنه وأرسل معه ثوبا بعلبكيا وعشرين دينارا، فأعادوا رأسه إلى جثته، وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه، ثم توجهوا به إلى تربته التي أنشأها بالقرب من المطعم السلطاني فدفن بها، ولما أرادوا التوجه به أدخلوه من باب زويلة ومعه والي القاهرة وجماعة كثيرة من المماليك السلطانية وهم لابسون آلة السلاح، وكان هذا خوفا على العادل من مماليك الأشرف جان بلاط ومماليك قصروه أن يحرقوه وهو في التابوت
وكان قصدهم ذلك حقيقة فما قدروا على ذلك. وواقعة العادل طومان باي تقرب من واقعة الأتابكي تمراز الشمسي وقد تقدم ذكر ذلك.
وكان العادل طومان باي ملكا جليلا مهابا ذا شهامة زائدة وحرمة وافرة، وكان من مبتداه إلى منتهاه وهو في عز وضخامة، لكنه لما ولي السلطنة ظهر منه أمور فاحشة وأخرق في سفك الدماء وقتل الأمراء، ولو دام في السلطنة كان يظهر منه أمور شنيعة ويقتل غالب الأمراء، وكان عنده مكر وخداع … لكنه كان يظهر العدل في بعض الأمور، وكان محببا للناس، ولا سيما طائفة العوام، وقد تقدم ما أوردناه من أخباره، وما ولي من الوظائف السنية، وما وقع منه من الأمور في تغيير الدول، وما فعل بالملك الناصر والظاهر قانصوه والأشرف جان بلاط وغير ذلك من الأمراء، وقد قلت في ذلك:
العادل السلطان لا تعجب له … فيما جرى منه بتغيير الدول
أعماله ردت عليه بما جنى … والدهر قد جازاه من جنس العمل
وكانت مدة اختفائه من حين تسحب من القلعة ليلة عيد الفطر إلى حين قبض عليه اثنين وأربعين يوما، فلما قبضوا عليه وجدوا شعر رأسه قد طال حتى صار كفروة الغنم، وكانت الناس في مدة اختفائه في جمرة نار من هجم البيوت وكبس الحارات، وقاسوا غاية المشقة بسبب ذلك حتى ظهر. وكانت واقعته من النوادر الغريبة، فكانت تقرب واقعته من واقعة الملك العزيز يوسف بن الأشرف برسباي لما اختفى وحصل للناس الضرر بسببه.