الحديث الثاني فيه مسائل: المسألة الأولى: ما فعله الصحابة رضي الله عنهم قبل أن يدركهم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا في غزوة، وأصابتهم مجاعة، فحصلوا على غنيمة غنموها من بعض المشركين، وكانت الغنيمة إبلاً وغنماً، ولما حصلوا على هذه الغنيمة -وكان قد اشتد بهم الجوع- تعجل بعضهم فذبحوا بعضاً من الغنم، ونصبوا القدور، ووضعوا فيها شيئاً من اللحم قبل أن يأتيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لحق بهم -وكانت القدور تفور باللحم- أمر بها فأكفئت، وكأنه غضب عليهم لما تعجلوا؛ وذلك لأنها لا تزال مشتركة، فالذين تسرعوا قد يكونون أخذوا شيئاً من حق غيرهم، فلا يحق لهم أن يتصرفوا إلا فيما يملكونه، ويملكون التصرف فيه، وكيف أمر بتلك القدور فأكفئت؟ لعله لم يكن فيها لحم، أو كان فيها لحم ولكنه اعتبره كالنهبة، وفي بعض الروايات أنه قال:(إن النهبة ليست أحل من الميتة) ، فالميتة حرام، فاعتبر هذا نهباً، بمعنى أنه شبه نهب، حيث إن جميع الغنيمة للغانمين بعد أن يخرج منه الخمس الذي هو لبيت المال، ثم يفرق الباقي على الغانمين الذين حضروها، فلهم أربعة أخماس الغنيمة، وتسوى سهامهم فيها، إلا أنه يزاد للفارس على الراجل، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة.
والحاصل أنه رأى أن هذا تسرع، وأخذ لما لا يملكونه، فأمر بالقدور فأكفئت، وبعضها يفور باللحم، وجعل هذا عقوبة لهم على تسرعهم، فدل على أنه لا يجوز التصرف بالغنيمة قبل أن تقسم؛ لأنها مملوكة لجميع الغانمين، ولأن كلاً منهم له حق فيها، ولأن الذي يأخذ منها يعتبر أخذه نهباً، أو يعتبر غلولاً، فكأنه غل يعني: أخذ شيئاً من غير أن يستحقه، وقد توعد الله على الغلول فقال تعالى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران:١٦١] ، فهذا هو السبب في كونه أتلف هذه اللحوم على أهلها، وأتلف ماءهم الذي كانوا يطبخون فيه لحماً ليأكلوه، فجعل ذلك عقوبة لهم على هذا التسرع، حتى لا يتسرعوا بعد ذلك، هذه المسألة الأولى.