والحديث الثاني حديث ابن عباس، وفيه أن رجلاً كان محرماً مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في عرفة، وفي أثناء وقوفهم في آخر النهار سقط عن دابته وهو محرم، ولما سقط سقط على رأسه فاندقت رقبته فمات وهو محرم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجهزوه، فأمرهم بالتغسيل، مما يدل على أنه يجب أن يغسل كل ميت حتى ولو كان نظيفاً؛ لأن العادة أن المحرم يكون نظيفاً، فأمر بأن يغسل.
وأمر بأن يغسل بماء وسدر (اغسلوه بماء وسدر) ، وهذا دليل على أن السدر كان مستعملاً عندهم لكل ميت؛ لأنه يحصل به التنظيف.
وفي رواية أخرى أنه (نهى أن يحنط) ، والتحنيط: هو تطييب الميت بعد أن يغسل، فالحنوط: طيب يجمع من أنواع من العطورات، كالورد والمسك وما أشبههما، فتجمع وتسحق، ثم بعدما ينتهون من تغسيله يجعلون من ذلك الطيب بين إليتيه وفي إبطيه، وفي بطون ركبتيه، وكذلك في سرته وتحت حلقه، وفي أذنيه، وفي المواضع الرقيقة منه، وقد يجوز أن يطيب كله، فهذا يسمى الحنوط.
وكل ميت يحنط إلا المحرم، وذلك لأن المحرم باق على إحرامه بعد موته، فلا يحنط -أعني: لا يطيب-، كما أن المحرم في حياته لا يقرب الطيب؛ لأن الطيب من المرفهات، فكذلك بعد موته، أما غير المحرم فيحنط، فيجعل فيه من أنواع هذه الأطياب، والسبب في ذلك ألا تتغير رائحته بسرعة، وأن يبقى معه رائحة طيبة بعد دفنه.
وعلى كل حال فقد وردت أدلة تدل على أنه يحنط الميت ويطيب بعدما يغسل.
أما المحرم فيكفن في ثوبيه، ومعلوم أن المحرم يكون عليه ثوبان إزار ورداء، والإزار هو الذي يجعل على عورته، والرداء على ظهره، فيكفن فيهما، ولكن لا يغطى وجهه ولا رأسه، بل يكشف؛ لأن المحرم مأمور بكشف رأسه في حالة الإحرام إذا كان رجلاً، فيبقى مكشوف الرأس؛ لأنه يبعث يوم القيامة محرماً ملبياً، وهذا من خصائصه، فيدفن مكشوف الرأس، ويجعل الكفن ساتراً للرقبة وللمنكبين ولبقية البدن، حتى القدمين يسترهما، فالإزار والرداء اللذان هما لباس المحرم يلف فيهما ويعقد ويدفن فيهما فقط، هكذا وردت السنة بدفنه فيهما وعدم تحنيطه وعدم تغطية رأسه.
وهذه صفة تكفينه، وصفة تغسيله أنه يغسل بماء وسدر حتى ينقى.