[التخفيف في ترك استقبال القبلة في النافلة حال الركوب في السفر]
النافلة التي يُخفف فيها، ويسقط فيها الاستقبال، يدخل فيها الرواتب التي تصلى قبل الفرائض وبعدها، ويدخل فيها صلاة التهجد لمن يريد أن يتهجد بالليل وهو مسافر، ويدخل فيها صلاة الوتر، وصلاة الضحى، ونحوها من النوافل، فكلها يصح أن يصليها على راحلته ولو كان وجهه لغير القبلة؛ وذلك لأنه قد يسير إلى جهة مخالفة للقبلة، حتى تكون القبلة خلف ظهره إذا توجه مثلاً إلى جهة الشرق من هذه البلاد إلى الأحساء أو إلى البحرين أو إلى الهند أو السند أو نحو ذلك، فتكون الكعبة وراءه فيصلي على جهته، وإذا توجه إلى الجنوب إلى نجران أو إلى اليمن صارت القبلة عن يمينه، فيصلي إلى الجهة التي هو سائر إليها، وهكذا إذا توجه إلى الشمال، كما لو توجه إلى العراق أو ما وراءه صارت القبلة عن يساره فيصلي إلى جهته.
وذكر بعض العلماء أنه يُستحب أن يستقبل القبلة في الاستفتاح، ولكن لم يرد دليل، بل الظاهر أنه يجوز أن يستقبل جهته من أول صلاته، فيستفتح ويكبر ويركع ويسجد وهو إلى تلك الجهة، وكل ذلك لأجل أن يُكثر من النوافل حتى يغتنم نوافل الصلوات ولا تفوته؛ لأنه لو اشترط أن يستقبلها لما تمكن؛ وذلك لأنه مجد يستغرق أكثر وقته؛ ولأنه قد يتعب إذا نزل وقد سار على البعير عشر ساعات متوالية أو أكثر أو أقل، فإذا نزل وقد أجهده السير وقد تعب تعباً كثيراً، فإنه يتمنى أن يضطجع على الأرض ولا يتمكن من التهجد، ولا من الإتيان بالنوافل ونحو ذلك، فلا جرم أن أبيح له أن يكثر من النوافل وهو راكب على دابته.
وفي هذه الأزمنة قد يقال: إن الأمر فيه شيء من التحسن، وفيه شيء من التغير؛ وذلك لقُرب المسافات وقلة المدة، فإن المسافر وهو سائر مجد قد يواصل سيره خمس ساعات أو أقل أو أكثر، ومع ذلك لا يلقى المشقة التي يلاقيها من هو راكب للدابة كالحمار والبعير، وكذلك أيضاً قد يريح نفسه، فإذا سار ساعتين أو ثلاث ساعات متواصلة يقف ويريح نفسه، ويتمكن في وقوفه من أن يتنفل أو نحو ذلك، ومع ذلك إذا أراد أن يتنفل إذا كان مستعجلاً فيجوز له ذلك، فإذا كنت سائراً إلى مكة أو إلى الأحساء، فتصلي الفريضة على الأرض مطمئناً، ثم تركب سيارتك أنت ورفقتك وتأتون بالنوافل وأنتم راكبون، ولو كانت وجوهكم لغير القبلة، ولو كانت القبلة خلفكم أو عن يمين أو عن يسار، فيكبر الراكب ثم يقرأ ويركع ويومئ بالركوع حيث إنه قد لا يستطيع أن يركع قائماً، ويومئ بالسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
هكذا كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة، لا يتمكن من القيام ولا من الركوع ولا من السجود، وإنما يتمكن من التحريم والتسليم، ويقرأ، ويسبح، ويحرك يديه، ويضعها على صدره في حالة القيام، وعلى ركبتيه في حالة الركوع، وعلى رحله في حالة السجود، وعلى فخذيه في حالة الجلسة بين السجدتين أو التشهد تشبهاً بالصلاة، وهكذا أيضاً إذا كان راكب سيارة أو نحوها.