لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله حرم بيع الميتة استشكل بعض الصحابة أنه قد ينتفع بشيء منها، فهل يكون هذا الانتفاع مسوغاً لبيع ذلك الشحم؟ فإن شحم الميتة ذكروا أنه ينتفع به في غير الأكل في هذه الثلاثة الأشياء: الأول: تطلى به السفن، فالسفينة معلوم أنها تصنع من خشب، وأنها تسبح في البحر، ومعلوم أن ماء البحر لملوحته قد تتآكل منه خشب السفينة، فتحتاج إلى أنهم يدهنونها قبل أن تدخل في البحر؛ حتى يكون ذلك الدهن مضاداً لتأثير الماء في الخشبة، فهذا معنى أنها تدهن بها السفن، أي: تطلى بها السفن، فيطلون بها ظاهر السفينة.
الثاني: يدهنون به الجلود بمنزلة الدباغ، فالجلد أو بعض الأواني الجلدية كالقربة والسقاء والدلو قد يكون يابساً، ويحتاج إلى ما يلينه، فيلينونه بدهن.
الثالث: كانوا يوقدون السرج بالشحم، ليس عندهم الكهرباء الموجودة الآن، ولا الأجهزة الجديدة، ولا ما استحدث من النفط كالغاز أو القاز أو ما أشبهه، فما كانوا يوقدون السراج إلا بالشحم أو بالزيت، فقالوا: هل يجوز لنا أن نوقد السرج - التي هي المصابيح - بشحم الميتة؟ وهل يجوز لنا أن نطلي السفينة بشحم الميتة؟ فالناقة إذا ماتت نأخذ شحمها ونذيبه ونطلي به السفينة، ولا يتأثر به شيء؛ لأنه لا يصلى عليه ولا يضر أحداً، والدلو أو نحوه إذا كان يابساً لا يضره أن ندهنه بهذا الشحم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا، هو حرام) .
ومن العلماء من يقول: إنه ما حرم إلا البيع، وكأنهم يقولون: مادام أن هذه الشحوم ينتفع بها؛ فيوقد بها السراج، وتطلى بها السفينة، ويدهن بها الجلد قبل دبغه، فألا يكون ذلك مبرراً في أن نبيعها على من يدهن بها وينتفع بها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا، هو حرام) .