يتعلق هذا الحديث برواياته بباب العطية، أو الهبة، وتسمى العمرى، وتسمى أيضاً الرقبى، وهي نوعٌ من العطية، وظاهر هذه الروايات الاختلاف، ونذكر قبل ذلك صورتها ثم نذكر الراجح فيها.
ونمثل بالسكنى في الدار: إذا كان عنده منزل زائد عن حاجته أعطاه قريباً له أو صديقاً، وقال: قد أعمرتك هذه الدار، أي: جعلتها لك حياتك ومدة عمرك، أو يقول: قد أرقبتك هذه الدار لتسكن فيها، أو مثلاً أرضاً أرقبتها لتزرعها أو نحو ذلك، تسمى عمرى ورقبى، وسميت عمرى لأنها له مدى عمره، وسميت رقبى لأن صاحبها يرتقب موته حتى تعود إليه تلك الأرض التي وهبها هبةً مؤقتة، هذا مثالها في العقار.
وتكون أيضاً في المنقول: فقد يعطيه مثلاً سيفاً ويقول: هو لك ما عشت، أو هو لك عمرك تقاتل به مثلاً، أو يعطيه إناءً يطبخ فيه، ويقول: هو لك حياتك، هو لك عمرك، أو يعطيه مثلاً دابةً يركبها ويقول: هي لك حياتك، يعني ما دمت حياً، كفرس يقاتل عليها، أو خلفةً يحلبها أو يركبها أو ما أشبه ذلك، فيعطيه إياها عطية مؤقتة، وتكون بمنزلة العارية التي لها حدٌ وهو منتهى حياته، فهذه تسمى العمرى وتسمى الرقبى، هذا اسمها قبل الإسلام.
فلما جاء الإسلام وكانت العمرى والرقبى مشهورة في تلك المجتمعات التي صارت مجتمعات إسلامية، تغيّر الحكم، فاختلفت الأحاديث: هل تكون هبةً يملكها المهدى له، أم ترجع إلى المهدي والمعطي بعد موت المهدى له؟ في ذلك خلاف.