[شرح حديث:(أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعنه رضي الله عنهما (أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه:(أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة لهما، فرخص لهم في قميص الحرير، فرأيته عليهما) ] .
هذان الحاديثان من الأحاديث التي تتعلق بالجهاد، فالحديث الأول في النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب، والحديث الثاني في الرخصة في لباس الحرير في الحروب عند الحاجة إليه، وقد وردت أحاديث أخرى كثيرة في النهي عن قتل النساء والصبيان، وفي هذا الحديث: أنه وجدت امرأة مقتولة، ولما وجدها المجاهدون وقفوا عندها، كأنهم استنكروا قتلها، أو كأنهم ينظرون إلى خلقتها، فأدركهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم صافون حولها، فلما رآها أنكر قتلها، ونهى بعد ذلك أن يقتل في الحرب امرأة، لكن في بعض الروايات أنه قال:(ما كانت هذه لتقاتل) ، فعلل النهي عن قتلها بكونها ليست من المقاتلين، وهذه عادة النساء سابقاً أنهن لا يدخلن المعارك، ولا يأخذن الأسلحة، ولا يقاتلن، وإنما تبقى النساء مع الصبيان ومع الأمتعة، ويبقين خلف الرجال، أو يبقين في مساكنهن، ويغلقن على أنفسهن، هكذا كان الأمر المعتاد، فالأصل عدم قتل النساء والصبيان.
ومعلوم أيضاً أن الصبي الذي هو دون البلوغ ليس أهلاً للقتال، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا استولى على المقاتلين وعلى الذراري نظر في الصبيان: فمن وجده قد أنبت الشعر حول الفرج قتله؛ لأنه من الرجال، ومن وجده لم يحصل منه الإنبات لم يقتله، وجعله مع الذرية، فإذا استولى المسلمون على النساء فإنهن سبي يستحلونهن ويقسمونهن بينهم، يعني: كإماء يملكونهن بالاستيلاء عليهن، وكذلك الصبيان، يملكونهم أيضاً، ويكونون غنيمة للمسلمين، فيستخدمون الصبيان، ويتبادلونهم في الملكية، ويكونون عبيداً مملوكين لهم، هذا هو السبب في عدم قتل النساء والصبيان في الحروب.
لكن إذا قدر أن المرأة دخلت المعركة، وأخذت من السلاح ما تقاتل به، فإذا لم يكن بد من كف شرها إلا القتل فإنها تقتل دفعاً لضررها، ومعلوم أنه في هذه الأزمنة أصبحت نساء الكفار كرجالهم، ومما عابوا به المسلمين حرجهم على المرأة، ومنعها أن تخوض المعركة، وأن تقاتل مع أولادها وأحفادها، ومع إخوانها وأولاد إخوانها؛ فألزموها أن تتعلم القتال، وأن تتعلم استخدام الأسلحة، وإذا حصلت معركة مع عدو استوى الرجال والنساء في خوض تلك المعركة، ففي هذه الحال إذا حصل القتال بين مسلمين وكفار، ومع الكفار نساء، فإن القتال يكون عاماً لكل من يقاتل من رجل أو امرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل النهي بقوله:(ما كانت هذه لتقاتل) ، فإذا وجد أنها قاتلت فلا مانع من أن تقتل، وقتلها هنا يكون كفاً لشرها؛ لتوليها من القتال ما يتولاه الرجال.
فأما إذا لم تخض المعركة، وإنما كانت مع الذراري ومع النساء في مؤخرات الجيش، أو في محل المعركة، أو في مكان القوم الذي تحجروا لأنفسهم، فإنها لا تقتل، بل تبقى على ما كانت عليه، حتى إذا استولى المسلمون عليهم أخذوها كسائر السبي، أو فادوا بها كما يفادون بالأسرى ونحوهم.
ويستثنى من ذلك إذا بيت المسلمون عدوهم في داخل دورهم، وكانت الدور -مثلاً- مظلمة، ولا يميزون صغيراً وكبيراً، ولا يميزون ذكراً وأنثى، فإنهم في هذه الحال يقتلون من تمكنوا منه، ومن وجدوه من صغير وكبير يقتلوه؛ لأنهم يريدون بذلك الاستيلاء على المشركين واستضعافهم وإذلالهم وإهانتهم، فإذا بيتوهم فإنهم يقتلون من تمكنوا منه؛ ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القوم يبيتون فيقتل بعض النساء والذرية قال:(هم منهم) يعني: أنهم من آبائهم، ولهم حكم آبائهم، وما ذاك إلا أن قتالهم هاهنا هو لأجل أن يُستولى عليهم، ولأجل أن يحصل من قتلهم الإذلال والإطاحة بهم، والاستيلاء على بلادهم، وذلك يحصل بأن يقتل من تمكن من قتله من ذكر أو أنثى.