لا يُستنكر إطالة الخطبة ما دام أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس بينهما، فالحكمة في هذا الجلوس الاستراحة، ومعلوم أنه لا يحتاج إلى استراحة إذا كانت الخطبة عشر دقائق أو خمسة عشر دقيقة، فدل على أنه يطيل، فتكون الخطبة -مثلاً- نصف ساعة أو ثلثي ساعة، يخطب خطبة ثم أخرى بعدما يجلس بينهما، فلأجل هذا لا يُستنكر على الخطيب الذي يخطب ثلث ساعة أو خمس وعشرين دقيقة أو ثلاثين دقيقة، لا يُستنكر عليه، فإن الجلوس بينهما دليل على أنه يطيل في هذه الخطبة.
والأدلة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبة متوسطة، ليست بالطويلة التي تستغرق عدة ساعات، وليست بالقصيرة التي تكون في خمس دقائق أو في عشر دقائق، والتي لا يتمكن فيها من تبليغ ما يريد.
وقوله صلى الله عليه وسلم:(إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه) يدل على أنه يحث على قصر الخطبة، والمراد بالخطبة القصيرة: التي تبلغ -مثلاً- عشرين دقيقة أو ثلاثين دقيقة، فهذه تعتبر قصيرة، أما الطويلة فهي التي تستغرق ساعة أو ساعتين، هذه هي الخطبة الطويلة التي نهى عنها.
إذاً: هو الوسط في اختيار الخطب، وبذلك يعرف أن الحكمة من الخطبة هو التعليم، وذلك لأن الكثير من الناس لا يسمعون إلا إلى الخطب، ولا ينصتون إلا للخطبة، إذا قام واعظ يعظهم بعد الصلاة نفر الكثير منهم، ولم يبق إلا أفراد، وإذا كان هناك محاضرات في أماكن كالمساجد ونحوها لم يحضر إلَّا قلة قليلة، أما الأكثرون فلا يحضرون، وإذا كان هناك مجالس علم لم يحضرها إلَّا أفراد، وإذا كان هناك تعليمات أخرى ببعض الوسائل الحديثة كنشرات أو كتب دينية أو أشرطة دينية لم يستعملها إلا أفراد قلة من الناس، وهم أهل الخير والصلاح، أما هؤلاء العامة الباقون فلا يحضرون إلا خطبة الجمعة، فمن المناسب أن يخطبهم الخطيب بخطبة تناسبهم، وأن يعلمهم التعليمات البليغة، ولا يُستنكر عليه إذا أطال إلى نصف ساعة أو ثلثي ساعة أو ما أشبه ذلك على حسب القدرة، لكن قد يؤمر بالتخفيف إذا رأى منهم نفرة أو شدة كراهية لهذا، وسموا ذلك إطالة، كما كانوا أيضاً يكرهون إطالة الصلاة.