وقد ترخَّص كثير من الناس وصاروا يجمعون وهم نازلون، وهذا لم يُنقل إلا في حديث لا يثبت، وإلا خاصاً لسبب من الأسباب، وروي حديثٌ لا بأس به (أنه صلى الله عليه وسلم جمع مرة وهو في تبوك، بين الظهرَين وبين العشاءين) أي: وهو نازل في تبوك؛ ولكن تلك المرة يمكن أن يكون له عذر، إما مرض وإما شغل أو نحو ذلك مما له سبب، أما بقية أيامه فإنه كان يقصر ويوقت، وأقام في تبوك عشرين يوماً، يصلي كل فرض في وقته؛ ولكنه كان يقصر.
وأقام أيضاً في حجة الوداع في الأبطح قبل أن يذهب إلى منى أربعة أيام، يصلي كل صلاة في وقتها، وكذلك أقام في منى أربعة أيام، يصلي كل فرض في وقته، ولم يكن يجمع، إنما كان يقصر الرباعية ركعتين.
وكذلك في غزوة الفتح أقام في مكة في الأبطح ستة عشر يوماً أو نحوها يقصر الصلاة؛ ولكنه لم يجمع، إنما يصلي كل صلاة في وقتها.
فنقول: إذا كنتَ نازلاً في بلد، وأنت ممن يُباح له القصر فصلِّ كل وقت في وقته مع القصر، وأما الجمع فإنه -على الصحيح- يختص بمن هو جادٌّ به السير، لا يجمع إلا إذا كان بين البلدين، إذا سار -مثلاً- من الرياض إلى المدينة أو إلى تبوك أو إلى البلاد الخارجية كالشام أو مصر أو ما أشبه ذلك عن طريق البر، فإنه بحاجة إلى أن يجمع ما دام في الطريق.
إذا عرف -مثلاً- أن الوقوف يتكرر ويقطع عليه وقتاً، فإذا زالت الشمس وقف وصلى الظهر والعصر، ثم واصل سيره إلى أن تغرب الشمس، فينزل فيصلي المغرب والعشاء، ثم يواصل سيره إلى أن يأتي الوقت الذي ينام فيه أو يقف فيه، وهكذا.
أو إذا زالت الشمس واصل السير إلى أن ينزل لصلاة العصر في الساعة الرابعة أو الثانية والنصف أو ما أشبه ذلك، ثم يصلي هناك الظهر والعصر، أو إذا غربت الشمس وهو سائر واصل السير حتى ينزل في الساعة التاسعة أو العاشرة، ثم إذا نزل صلى المغرب والعشاء في ذلك الوقت نزولاً واحداً وصلى جمعاً واحداً.
أما إذا كان نازلاً فإنه يوقت، إذا كان مسافراً -مثلاً- إلى بلدة في داخل المملكة أو في خارجها ووصل -مثلاً- إلى تبوك أو إلى نجران أو إلى جيزان -مثلاً- وهو مسافر؛ ولكنه سيقيم يومين أو ثلاثة أيام أو مدة، فله أن يقصر الرباعية ويصليها ركعتين، وليس له أن يجمع بين صلاتين لكونه ليس على ظهر سير.