قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه (أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأعرض عني، قال: فتنحيت فذكرت له، قال: وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما؟ فنهاه عنها) .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني من مكة- فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لـ فاطمة: دونك ابنة عمك، فاحتملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم، وقال لـ علي: أنت مني وأنا منك، وقال لـ جعفر: أشبهت خَلقي وخُلقي، وقال لـ زيد: أنت أخونا ومولانا) ] .
الحديث الأول يتعلق بالرضاعة، والشهادة فيه، والحديث الثاني يتعلق بالحضانة: وهي كفالة الطفل وتربيته.
ذكر في حديث عقبة، أنه لما تزوج هذه المرأة التي يقال لها: أم يحيى بنت أبي إهاب؛ جاءت أمة مملوكة سوداء، وادعت أنها أرضعت عقبة، وأرضعت المرأة التي تزوج بها، وأنها أصبحت أماً لهذا ولهذه، فيكونان أخوين من الرضاعة، فأنكر ذلك عقبة، ولم يكن قد سمع هذا منها، واتهمها بأنها تريد أن تفرق بينهما، فلم يجرؤ على أن يرد عليها، ولكنه ركب راحلته من مكة إلى المدينة، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وسأله، وذكر له أنها تكذب، وأنه لا يعرف ذلك من قبل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على ما تدعي، وجعل الأمر راجعاً إليها، وقال:(كيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما؟ دعها عنك) ، فعند ذلك فارقها عقبة، وتزوجت غيره، فأخذوا من هذا الحديث: أولاً: أن الرضاع يحرم ولو لم يكن من أم أحد الولدين، فإذا رضعت من امرأة ليست أمك، ورضع منها زيد وليست أمه، صرت أنت وزيد أخوين من الرضاع، لا تحل لك بنته ولا تحل له بنتك، مع أنك لست أخاً له من النسب، ولم ترضع من أمه، ولم يرضع من أمك، وإنما اجتمعتما في رضاع امرأة أجنبية أرضعتكما.
ثانياً: أن الرضاع يرجع فيه إلى المرضعة، إذا ادعت ذلك فإنها تصدق؛ وذلك لأنه يورث شبهة، فإذا ادعت أنها أرضعت فإن هذا الكلام يورث شبهة؛ فلأجل ذلك تُتجنب الشبهات؛ لقوله:(ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه) .
كذلك أيضاً: لا شك أن هذه المرأة لم يتهمها عقبة إلا بتهمة أنها تريد الفراق بينهما، ولم يذكر أنه جرب عليها كذباً، ولا أنها ذات حسد، فلعلها لما سمعت بأنه تزوجها خافت أن يكون بينهما شيء من العلاقة مع تحريم، فأبدت ما عندها، وأظهرت أنهما ولداها من الرضاع، فهذا رضيع منها، وهذه رضيعة منها، فقُبل قولها، وقد عرفت حد الرضاع، فلا بد أنها عرفت أن الرضاع المحرم هو خمس، ولا بد أنها عرفت أن الرضاع المحرم ما كان في الحولين، وأنها ما أقدمت على الحكم بأنهما ولداها من الرضاع إلا وقد عرفت الحكم وتيقنت، فيقبل قولها.