للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عادة الجاهلية في إحداد المرأة]

أهل الجاهلية كان الإحداد عندهم مدة سنة، وإذا مات زوج المرأة تدخل حفشاً أي: بيتاً صغيراً، وغالباً أنه مكون من قصب أو من جريد أو من سعف أو نحو ذلك، تدخل هذا الحفش وليس عندها مكيفات ولا تهوية ولا غير ذلك، وتبقى في هذا الحفش سنة وافية، لا تغتسل فيه ولا تتنظف، ولا تغير ثيابها، ولا تغسل شعرها في هذه المدة كلها، حتى تمضي عليها سنة وهي على هذه الحال، ولا تأكل إلا القوت الضروري الذي تقوت به نفسها، تعطى خبزة كل يوم أو خبزتين أو نحو ذلك قدر كفايتها، ومن الشراب ما يسد ظمأها فقط، أما أنها تغسل رأسها أو تغسل جسدها فلا، فكانت لا تغسل شيئاً من جسدها ولا من ثيابها مدة سنة، ماذا تكون حالها بعد هذه السنة وهي في هذا الحفش -البيت الصغير- الذي ليس فيه تهوية، وكله وسخ وقذر؟ كيف تكون حالها إذا خرجت منه؟ وبعد تمام السنة تؤتى بدابة كحمار أو طير أو نحو ذلك فتفتض به قبل أن تغتسل، أي: تدلك به جسدها الذي قد تراكم عليه الغبار، وتراكمت عليه الأوساخ، وتراكمت عليه الروائح، فتدلك جسدها بجلد ذلك الحمار أو تلك الدابة أو الشاة ونحوها، حتى أن تلك الدابة قد تموت من رائحتها وقذارتها، قلما ما تفتض -يعني: تدلك- بشيء من الدواب إلا مات، ثم بعد ذلك يأتونها ببعرة، والبعرة هي بعرة الإبل أو نحوه، فترمي بهذه البعرة طوال ما تستطيعه وكأنها تقول: هذه السنة التي مضت عليّ خفيفة كما تخف عليّ هذه البعرة التي أنبذها وأطرحها، وكل ذلك محافظة على حق الزوج، ولكن جاء الإسلام بالتخفيف عنها، فأمرت أن تغتسل متى شاءت، وتغتسل إذا انتهت من الحيض أو نحو ذلك، وإذا احتاجت إلى الاغتسال فإنها تغتسل ولكن كما قلنا: لا تستعمل في غسل جسدها ما له رائحة ونحوه، وذلك من تخفيف الله تعالى، وتخفيف هذه الشريعة عليها، وذلك من سهولة الإسلام وإزالة الآصار والأغلال.