اختلف في بعض الصلوات التي لها سبب، فمنها: ركعتا الطواف، وهما الركعتان اللتان يصليهما إذا طاف بالبيت، فذهب أكثر العلماء إلى أنه يصليها في أوقات النهي، وروي أن عمر رضي الله عنه طاف مرة بعد الفجر، وفرغ من الطواف والشمس لم تطلع، فلم يصل الركعتين وركب بعيره وذهب حتى وضع رحله بذي طوى، وهي مسافة طويلة، وكانت الطريق من الحجون، فسار حتى وصل إلى ذي طوى، ولما وصل والشمس قد طلعت صلاهما في مكانه، وهذا دليل على أنه فهم أن صلاة ركعتي الطواف لا تصح في أوقات النهي.
وروي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يكرهون الطواف في أوقات النهي، ولكن الجمهور على أنها تصلى فيها، وأنها من ذوات الأسباب، والاحتياط في الأوقات الضيقة أنه يؤخرها، فإذا فرغ من الطواف قرب الطلوع أخرها إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح ربع ساعة أو نحوها، وإذا فرغ من الطواف قرب الغروب أخرها حتى يتم غروب الشمس، وهكذا في الأوقات الضيقة.
وكذلك اختلفوا في سنة الوضوء التي وردت في حديث بلال أنه كان إذا توضأ صلى ركعتين، فذهب بعض العلماء إلى أن من توضأ فإنه يسن له أن يصلي، ولكن الصحيح أن سنة الوضوء ليست من ذوات الأسباب؛ لأنها لم تروَ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عن بلال أنه كان يتوضأ في أوقات النهي، ولم يذكر أنه كان يصلي هاتين الركعتين في أوقات النهي، ولم يذكر أنه كان يصليهما ساعة ما يتوضأ، إنما ذكر أنه إذا توضأ صلى بذلك الوضوء فريضة أو نافلة.
واختلف أيضاً في تحية المسجد، وهي أكثر ما ورد فيه الاختلاف، فإذا دخل الإنسان المسجد بعد الفجر أو بعد العصر، هل يجلس أو يصلي؟ قولان للعلماء، والاختيار والأقرب أنه يجوز له أن يصلي وأن يجلس ولا إنكار على من فعل أحدهما، ولكن الأفضل إذا دخل قرب الغروب أن يجلس ولا يصلي، وكذلك قرب الشروق لا يصلي حتى يخرج وقت النهي.
أما بقية النوافل التي لا أسباب لها فلا خلاف أنه يمنع منها لكثرة الأحاديث، فقوله:(لا صلاة) نفي يدل على المنع، يعني: لا تجوز ولا تفعل أية صلاة في مثل هذه الأوقات حتى تزول، وقد عرفنا أن السبب في ذلك النهي عن مشابهة المشركين، وكل شيء فيه مشابهة لهم ينهى عنه المسلم، بل يبتعد عن الأشياء التي يشترك فيها مع المشركين؛ ليتميز المسلمون من الكفار، ولما كان المشركون يسجدون في هذه الأوقات أو يصلون في هذه الأوقات أو نحو ذلك نهي المسلم عن أن يفعل أفعالهم، وكذلك بقية خصائصهم، وبقية عباداتهم.