وورد في بعض الأحاديث:(أحب ما تقرب به العبد إلى الله ما خرج منه وهو القرآن) فإذا كان يتعبد به خارج الصلاة فكذلك في الصلاة.
ثم ذكر العلماء أن أعظم سور القرآن سورة الفاتحة، وسميت بفاتحة الكتاب؛ لأنها كتبت في أوله، واستفتح بها القرآن، فقد ثبتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لها في الصلاة فرضاً ونفلاً، وكذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أكد قراءتها وحث على قراءتها وأخبر بآكديتها.
فعندنا هذا الحديث الذي يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وهذا ظاهر في أن صحة الصلاة تتوقف على قراءة الفاتحة، وإذا كان كذلك فإنها تعتبر ركناً، فإن الركن هو الذي يتوقف صحة الصلاة عليه، فعرف بذلك أن قراءتها لا تتم إلا بها.
وقد ذهب إلى ذلك جماهير الأمة وأشهر علماء الأمة؛ فقالوا: لا تصح الصلاة إلا بقراءة الفاتحة، وقد تقدم في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاته.
وأجاز الحنفية قراءة قدرها من غيرها، فقالوا: إذا قرأ قدر الفاتحة من السور الأخرى اكتفي بذلك، واستدلوا بما في حديث المسيء صلاته حيث قال:(ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) واستدلوا أيضاً بالآية وهي قول الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ}[المزمل:٢٠] .
ولكن الآية محمولة على ما زاد على الفاتحة.
يعني: أكثروا أو أقلوا على حسب ما تيسر.
وقد ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم علم المسيء صلاته ما أخل به، وما كان يجهله، وقد كان مشتهراً أن فاتحة الكتاب لا تتم صلاته إلا بها، لكونهم كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الجهرية ويسمعون قراءته، ويعرفون أنها لا تتم إلا بها.