في العهد النبوي، وكذلك في عهد أبي بكر كانوا يحرثون فيها ويزرعون، فإذا زرعوا البقعة فلهم نصف الزرع، وإذا عملوا على النخيل فلهم نصف الثمر وللمسلمين نصفه، وكان يرسل إليهم من يخرص ذلك النخل، فأرسل إليهم عبد الله بن رواحة، فخرصها وقدرها بثمن من الأثمان؛ قدرها مثلاً بعشرة آلاف، قال: هذا النخل يقدر بعشرة آلاف صاع، أو نحو ذلك، فقالوا: إنك قد ظلمتنا يعني: أكثرت علينا.
فقال لهم: إذا كنت أكثرت عليكم فادفعوا فنأخذها نحن وندفع لكم النصف، أي: إذا قدرناها بعشرة آلاف نعطيكم خمسة آلاف ولنا الباقي حتى ولو كان ألفاً أو ألفين، أو خذوها وأعطونا النصف الذي هو خمسة آلاف، وقال ما معناه:(إنكم لأبغض الناس إليّ، ولكن بغضي لا يحملني على أن أظلمكم، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليّ، ولا تحملني محبته على أن أجور ولا أن آخذ له ما لا يستحقه) ، أو كما قال، فعرفوا أن هذا هو العدل، وأنه بهذا قامت السماوات والأرض.
فعند ذلك استسلموا لذلك؛ فكانوا إذا خرصت عليهم مثلاً بخمسة آلاف دفعوا ألفين ونصفاً ولهم الباقي، وقد يكون الباقي أكثر من ألفين ونصف، ولكن يسمح لهم المسلمون بالزائد؛ وذلك لأنهم في العادة يحتاجون إلى أن يأكلوا منها رطباً قبل أن تجذ، فإذا حدد الذي عليهم عرفوه ودفعوه كاملا.
هكذا كانت الحال في خيبر، ولا شك أن هذا دليل على جواز المزارعة، وعلى جواز المغارسة، وعلى جواز المساقاة التي هي مما تدعو إليها الحاجة.