وقد اختلف الناس في تعيين ليلة القدر، فرجح بعضهم أنها ليلة سبع وعشرين، وهذا المختار عند الإمام أحمد، فعنده أنها أرجى الليالي من غير جزم، واستدل بما روي عن أبي بن كعب أنه قيل له: إن فلاناً يقول: من قام السنة كلها وقعت له ليلة القدر.
فعجب أبي بن كعب وقال:(لقد علم أنها في رمضان، ولقد علم أنها في العشر الأواخر، ولقد علم أنها في السبع الأواخر، ولقد علم أنها ليلة سبع وعشرين، وهي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقومها) ، وذكر أنه راقب الشمس عشرين سنة صبيحتها تطلع بلا شعاع، وهذا هو الذي رجحه أحمد.
وذهب الشافعي إلى ترجيح ليلة إحدى وعشرين، واستدل بحديث أبي سعيد الذي سبق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، فمطرت السماء ليلة إحدى وعشرين فوكف المسجد، وكان المسجد على عريش -يعني: لم يكن مسقوفاً بالطين-، فلما أصبح النبي عليه الصلاة والسلام بعدما صلى الفجر رأى أبو سعيد على جبهته وأنفه أثر الماء والطين، فرجح أن تلك الليلة هي ليلة القدر، وهذا ما رجحه الشافعي لهذا الحديث.
والآخرون قالوا: إنها ليست يقينية.
وذهب بعضهم إلى أنها تتنقل، أي أنها في سنة تكون في العشر الأواخر، وفي سنة تكون في السبع الأواخر، وفي سنة تكون في الوسط، وسنة تكون في العشر الأول، وسنة تكون -مثلاً- ليلة إحدى وعشرين، وأخرى ليلة ثنتين وعشرين ونحو ذلك، فلأجل ذلك قالوا: إنما تقع للإنسان إذا قام العشر كلها، وهذا هو السبب في تخصيص العشر الأواخر بزيادة صلاة وزيادة اهتمام اتباعاً للسنة النبوية، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (كان إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر) ، وفي رواية:(أحيا ليله كله) ، فأفاد بأنه يخص العشر الأواخر بزيادة اجتهاد وأعمال لا يعملها في غيرها رجاء أن تحصل له تلك الليلة، ورجاء أن تقتدي به أمته في ذلك.
وكذلك رجح بعضهم أنها في السبع الأواخر، واستدل بهذا الحديث عن ابن عمر، فقد ذكر ابن عمر أن رجالاً كثيرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا في المنام ليلة القدر أنها في السبع الأواخر، فلما توافقت رؤياهم قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أرى رؤياكم قد تواطأت -يعني: توافقت- في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) .
والسبع الأواخر قيل: أولها ليلة ثلاث وعشرين على تقدير أن الشهر ناقص.
وقيل: أولها ليلة أربع وعشرين على تقدير كمال الشهر.