تجوز زيارته للمحادثة في بعض الأحيان، كما في هذه القصة، وهي قصة صفية، وصفية هي إحدى أمهات المؤمنين، وكانت من سبي خيبر، قتل أبوها مع بني قريظة، ثم قتل زوجها في غزوة خيبر، وأصبحت مفجوعة، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يثبتها وأن تطمئن في حياتها، ولما تزوجها كان يؤنسها، وكان يحرص على جبر نفسها وقلبها وعلى ما يجلب لها الطمأنينة والحياة السعيدة، فلأجل ذلك أقرها على زيارته، وقد جاءته وهو معتكف وتحدثت معه وتحدث معها؛ لأنها غريبة ليس لها في المدينة ولد ولا والد ولا أخ ولا قريب، فهي وحيدة في هذه البلاد، فلأجل ذلك آنسها وأقرها على زيارته وهو معتكف، ولم يذكروا أن غيرها من زوجاته كن يأتينه للتحدث معه؛ لأن زوجاته الباقيات كن عند أهلن، وأهلهن معهن غالباً، فلعل هذا هو السبب في أنه أقرها على زيارته وتحديثه، وكذلك كونه قام معها ليقلبها بعدما تحدثت معه وقامت لترجع، وكان بيتها خارج المسجد في بيت أسامة الذي كان فيه بعدها، فقام معها ليؤنسها إلى أن تخرج من المسجد.
فلما خرجت من المسجد ومشى معها قليلاً رآه رجلان من الأنصار، فلما رأياه أسرعا مشيهما، فخاف أن يظنا ظناً سيئاً فيقولا: هذا النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مع امرأة في هذا الليل وفي ظلمة الليل.
فيوسوس لهما الشيطان بأنها امرأة أجنبية فيقعان في الهلاك، فعند ذلك أزال ذلك وقال:(إنها صفية بنت حيي) يعني: ليست أجنبية فلا تظنوا أنني أمشي مع امرأة أجنبية، فأخبرهم بذلك حتى لا يظنوا به ظناً سيئاً، وأخبر بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ينفذ بين لحمه ودمه فيجري مع عروقه، وأنه يخشى أن يقذف في قلبيهما شيئاً، أن يوسوس لهما فيقذف في قلبيهما أن محمداً يمشي مع امرأة أجنبية في هذا الليل المظلم، فيهلكان بهذا الظن السيئ.
وعلى كل حال فيجوز للمعتكف أن يحدث من يزوره، ولكن يكون حديثاً قليلاً، ويكون -أيضاً- في حد ما هو مباح شرعاً بغير جدل وبغير كلام في العورات ولا كلام في الأعراض ولا كلام في الدنيا ولا في أهلها ولا في منافسة أهلها فيها، بل يكون كلاماً ذا حاجة وضرورة، إما فائدة، وإما سؤال عن حاجة ملحة أو نحو ذلك، فمثل هذا يجوز للمعتكف أن يتكلم به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.