وهو خبر أخبر به عن نفسه، وذلك لأنه لما تاب الله عليه بعد تخلفه عن غزوة تبوك ونزل قول الله تعالى:{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}[التوبة:١١٨] إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة:١١٩] التزم بقوله: إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا بحديث صدق.
فالتزم بذلك وقال: ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأرجو أن يحفظني الله في بقية حياتي.
ثم أراد أن ينخلع من ماله ويجعله كله صدقة رجاء أن تقبل توبته، فقال:(إن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله ورسوله) وجعل هذا توبة، فبعض العلماء يقول: إن هذا نذر، نذر أن يتصدق بكل ماله.
وبعضهم يقول: هذا ليس بنذر، وإنما هو التزام أو عهد أو توبة أو نحو ذلك، فلا يكون نذراً حتى يوفي بالنذر.
وإذا قلنا: إنه نذر فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن في الوفاء به شيء من المشقة، بقوله:(أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.
وكأنه كان له أملاك في المدينة فتصدق بها، تصدق بملكه الذي في المدينة من أرض ونحوها، وأمسك أرضاً له في خيبر جاءته لما قسمت أرض خيبر، فجعل هذا توبة له.
وفي بعض الروايات أنه قال:(يكفيك الثلث) ، فاستدلوا به على أن من نذر أن يتصدق بجميع ماله اكتفى بالثلث؛ فإن سعد بن أبي وقاص لما مرض في حجة الوداع قال:(يا رسول الله! إنه لا يرثني إلا ابنة، وإني ذو مال، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا.
قال: فالشطر؟ قال: لا.
قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير) التزم أن يتصدق بثلثيه فاكتفى بثلثه، فأفاد أنه يكفيه الثلث إن كان نذراً على ما في هذا الحديث.