للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يجب تمكين الجار من وضع خشبه على جدار الجار ما لم يضره]

والعلماء ذكروا أن الجار قد يحتاج إلى أن يسقف له حجرةً أو غرفةً، ويكون بحاجةٍ إلى أن يمد خشبه أو حديده إلى جدار جاره الملاصق، والعادة أن الجيران يأتون غالباً متلاصقين، هذا ملاصق لهذا، فإذا كان جداره ملاصقاً لجدارك واحتاج إلى أن يسقف حجرةً أو غرفةً وأن يمد خشبه أو حديده، ويجعله على هذا الجدار أو هذه العمد، ويحفر لها فيه، فليس لك منعه، ولكن بشرط أن لا يضر الجدار.

فإن كان الجدار لا يتحمل، فيلزمه أن يقيم إلى جانبه جداراً؛ لأن بعض الجدر قد تكون رقيقةً دقيقه، إذا وضع عليها خشب من هنا ومن هنا، فقد لا تتحمل فتسقط، فيحتاج إلى إقامة جدار إلى جانب جدار، حتى يجتمع ويتحمل ذلك الخشب.

فأما إذا كان الجدار قوياً يمكنه أن يتحمل، فليس للجار أن يمنعه، وحيث ورد بلفظ الجمع: (أن يغرس خشبه) ، فإنه يكون على وجه العموم، فمتى احتاج إلى خشب ولو كثيرة فإنه له ذلك ولا يمنع.

فهذا معنى قوله: (لا يمنع جار جاره أن يغرز) ، والغرز: هو النحت، بأن يحفر لها ثم يغرزها في الجدار، ثم يسقف عليها بعدما يمسكها في الجدار، وإذا كان الأمر كما كانت الغرف قديماً يجعل لها سقف تعرض عليه الخشب، فاحتاج إلى أن يجعل السقف على هذا الجدار، وكان الجدار يتحمل، فله ذلك، فإن كان لا يتحمل فإنه يضع عموداً، أي: ساريةً تتحمل ذلك السقف، ثم بعده يعرض الخشب عليه.

وعلى كل حال فهذا كمثال في حاجة الجار إلى شيء مما يتصل بجاره، لأن الجار قد يحتاج إلى أحد حيطان جاره لوضع خشبه عليه، سواء كان جدار سورٍ من الأسوار التي تحيط بالمباني، أو جدار غرفةٍ أو حجرةٍ يلي هذا الجار، فإنه يمكنه من أن يسقف عليه.

لما حدث أبو هريرة هذا الحديث كأنه استثقله بعضهم وأنكره، وقال: كيف أمكنه وأنا الذي بنيت هذا الجدار وقمت به وتوليته، وينتفع به غيري؟ فـ أبو هريرة لم يبال بذلك فيقول: (مالي أراكم عنها معرضين) ، يعني: عن هذه السنة أو عن هذا الحديث، (والله لأرمين بها بين أكتافكم) أو (بين أكنافكم) ، يعني: لأحدثن بهذا الحديث ولا أبالي من كره ذلك، لأنه لما تحقق أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لم ير بداً من أن يحدث به، ولو كره ذلك واستثقله بعضهم.

كذلك يقول بعضهم: إن الضمير يعود إلى الخشب، أي: لأرمين بالخشبة بين أكتافكم، يعني: ولو لم أجد إلا كتف أحدكم أضعه عليه -من المبالغة- يعني: عند الحاجة لأفعلن ما أمرني به الرسول وما أمر به الأمة، وما نهاهم عنه بقوله: (لا يمنع) .

ثم الأولى بالجيران أن يتعاونوا فيما بينهم، فإذا كان هناك جدار حاجز بين اثنين، فالأولى أن يشتركا في النفقة عليه، وأن يجعلاه متحملاً لخشب هذا وهذا، أو لصبة هذا وهذا، حتى لا يقع بينهما شيء من المنافسة أو من الامتنان، أو من الكراهية لانتفاع جاره به أو نحو ذلك.

لكن إذا سبق أحدهم وانفرد بإقامة هذا السور أو بإقامة هذا الجدار، ثم جاء إلى جانبه آخر وأقام منزله واحتاج إلى التسقيف على جداره؛ فليس له منعه؛ هذا مقتضى الحديث.