المني: هو الماء الدافق الذي يخرج من الإنسان عند الاحتلام أو عند الجماع، وهو ماء لزج أصفر غليظ، وهو الذي يخلق منه الإنسان كما في قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}[الواقعة:٥٨-٥٩] ، وفي قوله:{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}[القيامة:٣٧-٣٩] ، هذا المني يخرج عند اشتداد الشهوة، وقد يخرج عند المداعبة، ويخرج عند الوطء، ويخرج في الاحتلام، فيخرج من الإنسان بشهوة وتدفق.
وهو يوجب الغسل إذا خرج بشهوة وتدفق، وأما إذا خرج يسيل سيلاناً كالبول فلا يوجب الغسل، فإن كثيراً من الناس قد يخرج منه بعد البول قطرات مني تسمى: ودياً هي مني، ولكنها تخرج تسيل فيسمى ودياً، فهذا حكمه حكم البول؛ لأنه يتقدمه.
وإذا عرفنا هذا المني فنقول: الصحيح أنه طاهر ولكن يغسل من باب الاحتياط، ومن باب النظافة للثياب، ومن باب إزالة أثره حتى لا يرى في ثياب الإنسان بعد الاحتلام أو نحوه، وفركها له أيضاً دليل على إزالة أثره، والحرص على أن لا يرى في الثياب، فالفرك معلوم أنه لا يطهره؛ لأنه إنما يتساقط منه ما كان متجمداً على الثوب، وأما ما تشرب به الثوب فإنه يبقى بلا شك، واستدل على أنه طاهر بأحاديث الفرك.
ومن العلماء من قال: إنه نجس نجاسة مخففة، تلك النجاسة تطهر بالغسل وبالفرك وبالحك وبالحت ونحو ذلك.
ومنهم من فرق بين يابسه فيفرك، وبين رطبه فيغسل، يعني: ما دام رطباً فإنه نجس فيغسل، وعليه تحمل أحاديث الغسل، وإذا يبس وتجمد اكتفي بفركه فيطهر بالفرك، وإذا كان فيه هذا الاختلاف الكثير فإن على الإنسان أن يحتاط فيزيله مهما استطاع، فيغسله إن كان رطباً ويفركه أو يغسله إن كان يابساً؛ حتى يتخلص من شيء وقع فيه خلاف طويل بين العلماء.
وإذا أصاب البدن فإنه أيضاً يغسل، وقد مر بنا في أحاديث الاغتسال أنه عليه الصلاة والسلام لما غسل فرجه ضرب بيده الأرض أو الحائط ليزيل عنها اللزوجة، وذكرنا: أن ذلك لكونه غسل أثر المني من يده فبقي فيها لزوجة من أثر المني، فأراد أن يزيل ذلك بالتراب، فدل على أنه يبدأ به، فإذا اغتسل الإنسان وعلى ثيابه شيء من المني حرص على إزالته، وإذا كان على بدنه شيء من المني حرص على تطهيره وإزالته، ثم يغتسل بعده.