أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أمسك عليك الكلب فإما أن يكون الكلب معلماً وإما أن يكون غير معلم، وقد عرفت أن المعلم هو الذي إذا أرسل استرسل، وإذا زجر انزجر، وإذا أمسك لم يأكل على صاحبه، بل أمسك على صاحبه ولم يأكل من الصيد، هذا هو الكلب المعلم، وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال:(فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أنه إنما أمسك على نفسه) يعني: لم يمسك لك، وإنما أمسك لنفسه، فعلامة المعلم أنه يمسك الأرنب -مثلاً- بأنيابه حتى يأتي إلى صاحبه فيقبضها، فإن وجدها ميتة فهي حلال وإلا ذكاها، ويذكيها بكل حال.
واختلفوا إذا قتلها الكلب، عادة أنه إذا أمسكها فإنه يمسكها بأنيابه، وقد يكون صاحبه بعيداً، فلا يدركه إلا وقد ماتت في فمه، فالأكثرون على أنها تؤكل لعموم قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة:٤] ، ولكن بشرط أن تسمي عند الإرسال، فإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله بأن تقول: باسم الله، والله أكبر؛ فإذا أمسك عليك فكل حتى ولو قتل بعضِّه أو بتحامله على ذلك الصيد حتى مات بثقله فالصحيح أنه يباح، وذلك لكونه داخلاً فيما أباحه الله:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة:٤] ، والحديث لم يفصل في الكلب المعلم، بل قال:(إذا أرسلت كلبك المعلم فكل) ، ولم يقل: إن وجدته حياً، بل أطلق ذلك بشرط ذكر اسم الله تعالى، فالكلب المعلم إذا قتل فإن قتله حلال بشرط التسمية عند الإرسال، ولو لم يجرح، ولكن إذا وجدت الصيد حياً فلا بد من ذبحه وتذكيته؛ حتى يخرج الدم، وإذا وجدته قد مات فلا بد من قطع رأسه وحلقومه ولو لم يخرج منه دم حتى تتحقق التذكية ظاهراً، فهذا حكم صيد الكلب المعلم.
أما الكلب غير المعلم من سائر الكلاب إذا استرسل وأمسك، ووجدت الصيد في فمه قد مات فلا تأكل؛ وذلك لأنه أمسك لنفسه، وإن وجدت الصيد حياً لم يمت وذكيته فإنه مباح، ويدخل في قوله تعالى:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة:٣] ، والتذكية هي أن تذبحه من حلقه حتى تقطع الحلقوم والمريء والوريدين، حتى يخرج الدم المتحجر في بدنه، أباح الله المذكى بقوله:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة:٣] ، وأباحه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله:(فأدركت ذكاته فكل) ، فأما إذا لم يكن معلماً وقتل فلا تأكل، وكذلك إذا أكل، فإذا وجدت الكلب قد أكل من الصيد سواء كان معلماً أو غير معلم فلا تأكل، فإنه أمسك على نفسه أي: اصطاد لنفسه ولم يصطد لصاحبه؛ لأن الله تعالى يقول:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة:٤] يعني: أمسكن لكم، فأما إذا أكل فإنه لم يمسك عليك، وإنما أمسك على نفسه.