هذا الحديث يتعلق بترك المبيت بمنى أيام منى للعذر، ومن الأعذار سقاية الحاج، في هذا الحديث أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له.
وسقاية الحاج كان يقوم بها العباس رضي الله عنه هو وخدم معه ومماليك له، كانوا يسقون من زمزم، يجتذبون الماء ويصبونه في حياض حتى يشرب الحجاج الذين يأتون إلى مكة للطواف؛ لأنه لا يخلو البيت من طائفين، فبعض الحجاج يأتون -مثلاً- بعد المغرب، وبعضهم يأتون بعد العشاء ثم يرجعون، وبعضهم يأتون نصف الليل، وبعضهم يأتون في آخر الليل، وبعضهم يأتون في صلاة الفجر، وبعضهم بعد طلوع الشمس، وبعضهم في الضحى فلا يخلو المكان من أناس يأتون إلى مكة ليطوفوا، وإذا جاؤوا احتاجوا إلى شراب، والشراب في ذلك الوقت هو من زمزم، وزمزم عميقة بعيدة القعر، ولا يحصل إخراج الماء إلا بالدلاء، ولابد من اجتذابه بالدلاء ويصب في حياض، وعندهم كيزان يشربون بها ويسقون بها الحجاج، فاحتاج العباس إلى أن يكون معهم ولو ترك المبيت، فرخص له ولخدمه ولأولاده الذين يساعدونه أن يبيتوا بمكة وسقط عنهم المبيت بمنى، والمبيت بمنى في ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر واجب من الواجبات لا يسقط إلا لأهل الأعذار كأهل السقاية وأهل الرعاية، فرخص لأهل السقاية أن يتركوا المبيت بمنى، ورخص للرعاة أن يتركوا المبيت، حيث إنهم يذهبون مع الإبل، أي: الركائب التي هي رواحل الحجاج، كانوا في ذلك الوقت يأتون على الإبل الرواحل ويحتاجون إلى من يرعاها، ولا يجدون لها علفاً فيما قرب من مكة، فتحتاج إلى من يذهب بها إلى أماكن الرعي، فيذهب بكل عشر من الإبل أو عشرين أو أربعين راع، وعند الأربعين أو الخمسين الأخرى راع آخر، فهؤلاء الرعاة يشق عليهم أن يأتوا كل يوم للمبيت، فلأجل ذلك رخص لهم في ترك المبيت بمنى، ورخص لهم أيضاً في تأخير الرمي -رمي الجمار-، فكانوا لا يرمون اليوم الأول الذي هو يوم العيد، ثم يؤخرون رمي الحادي عشر، وإذا جاء صباح اليوم الثاني عشر جاؤوا وإذا زالت الشمس رموا عن اليوم الحادي، ثم رموا عن اليوم الثاني عشر، ثم ارتحلوا إذا كانوا يريدون التعجل، فهؤلاء هم الذين يسقط عنهم المبيت: السقاة والرعاة، وأما غيرهم فلابد أن يبيتوا بمنى أو ما اتصل بمنى، ولا يسقط عنهم هذا المبيت، وذلك لأنه نسك من الأنساك، أي: إقامة الحاج بمنى في أيام منى يوم العيد ويومان بعده أو ثلاثة، فهو نسك من الأنساك، فلابد أن يقيموا فيها ويعملوا فيها الأعمال التي أمروا بها، فمن كان له عذر كعذر السقاة والرعاة وكالمريض الذي يرقد في أحد المستشفيات الداخلية يسقط عنه المبيت لأجل العذر، وكذلك من له شغل شاغل أو ضروري، كالمرافق للمريض ونحوه فإنه يسقط عنه، فأما من تركه بدون عذر فإنه يجبره بدم.