للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجه الاستدلال على أن الحمار لا يقطع الصلاة بحديث ابن عباس]

والدليل على أن الحمار لا يقطع الصلاة ما ورد في حديث ابن عباس، فقد ذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمنى -يعني: في حجة الوداع- وكان يصلي بالناس ولم يكن أمامهم جدار، فكان أمام النبي صلى الله عليه وسلم سترة يعني: عصاً قد غرسها في الأرض واتخذها سترة.

وأما الجماعة فلم يكن أمامهم جدار يسترهم، بل هم يصلون صفوفاً وقد جعلوا سترتهم سترة إمامهم، ولهذا قالوا: من كان له إمام فسترة الإمام سترة له، والصف الثاني سترته الصف الأول، فلا يمر أحد بين الصفين، فإنه بمروره بين يدي الصف الثاني يكون قد مر بينه وبين سترته وهو الصف الأول، وكذلك المأمومون الذين يمر المار بينهم وبين إمامهم.

أو بينهم وبين سترة إمامهم، والحاصل أن ابن عباس ذكر: (أنه كان راكباً على حمارٍ أتان) الحمار الأتان: هو أنثى الحمار، يقول: (وكنت قد ناهزت الاحتلام) يعني: كان عمره قريباً من أربع عشرة سنة في ذلك العام ولما يحتلم، وكان راكباً على تلك الأتان، فمر بين يدي الصف، فيحتمل أنه مر بينهم وبين موضع سجودهم، ويحتمل أنه مر أمامهم، أي: قدام الصف وإن كان بعيداً، فإنه يصدق عليه أن مر بين أيديهم، وهذا هو الأقرب والأليق به؛ لأنه لا يليق بـ ابن عباس أن يقترب من الصف وهو على ذلك الحمار، بل مر قدامهم، ولو كان بينه وبين الصف مثلاً ثلاثة أمتار أو أكثر فإنه يصدق عليه أنه مر من بين أيديهم.

فلما حاذاهم نزل وأرسل الأتان ترتع، ودخل في الصف وصلى مع المصلين ولم ينكروا عليه لما مر قدامهم، فاستدل بهذا على أن الحمار لا يقطع الصلاة؛ لأن ابن عباس مر أمامهم.

وأجيب بأن هذا المرور ليس بينهم وبين موضع سجودهم بل قدامهم بكثير، أي: بنحو ثلاثة أمتار أو أكثر، وأجيب أيضاً بأن سترة الإمام سترة لهم، فهم قد اكتفوا بسترة إمامهم والذي يمر من بين أيديهم لم يكن مروره بينهم وبين السترة.

وعلى كل حال فالمرور حتى ولو كان على الأرجل ممنوع كما دلت عليه الأحاديث، ولكن أخذوا من هذا أن مرور الحمار ونحوه لا يقطع الصلاة القطع المبطل لها، بل ذلك ينقص الصلاة فقط.