لا شك أن شرعية عيد الفطر وعيد الأضحى من باب الشكر لله عز وجل، ولأجل ذلك لم يبدءوها باللهو واللعب، ولم يبدءوها بالغناء والطرب، ولم يبدءوها بالأشر والبطر، بل ابتدءوها بالصلاة، وهذا دليل على أنها أيام شكر، ولأجل ذلك فالمسلمون في كل مكان إذا أصبحوا في عيدهم -عيد فطر أو عيد أضحى- خرجوا خارج البلاد في طرفها، واجتمعوا رافعين أصواتهم بالتكبير، وصلوا لله لا لغيره صلاة متميزة بالتكبير؛ لأن فيها تكبيراً لا يُكبر في غيرها، وتفتتح كل ركعة بعدد تكبيرات، ثم بعدها يخطبهم الخطباء بخطب تناسبهم، ويبينون لهم الأعمال التي يعملونها في ذلك اليوم، ويبينون لهم ما يجب عليهم، فينصرفون من كل صلاة عيد وقد ازدادوا حسنات، وقد عرفوا الحِكَم والأحكام التي شرعت لها هذه العبادات.
وهذا بخلاف أعياد الكفار وأعياد الملاحدة وأعياد الجهلة ونحوهم؛ فإنها أعياد أَشَرٍ وبطر، أعياد لهو ولعب، أيام يتخذون فيها الطبول والرقص والضرب بالدفوف وما أشبه ذلك، يجتمعون فيها على قيل وقال، أو على لهو ولعب، أو على طرب ونحوه، أو على مآكل محرمة، أو ما أشبه ذلك، وقليل ذكر الله عندهم، وقليل شكره، وقليل الاعتراف بفضله، فأين هذا من هذا؟! فأعياد الإسلام مشتملة على ذكر الله وتعظيمه وإجلاله، ولأجل ذلك كان كثير من السلف في أيام الأعياد يحزنون، ويخشون ألا تقبل أعمالهم، كما رئي بعضهم في ليلة عيد وهو ينوح ويبكي على نفسه ويقول: بحرمة غربتي كم ذا الصدود ألا تعطف علي ألا تجود سرور العيد قد عم النواحي وحزني في ازدياد لا يبيد لئن كنت اقترفت خلال سوء فعذري في الهوى ألا أعود فهذا ونحوه هو من الذين يخشون أن ترد أعمالهم؛ فلأجل ذلك يظهر عليهم الحزن.
ورأى بعض السلف قوماً في يوم العيد يضحكون فقال:(إن كان هؤلاء قُبِلَ صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان رُدَّ صيامهم فما هذا فعل الخائفين) ، وهذا يدل على أنهم كانوا يحزنون، مع أن اليوم يوم فرح.