[شرح حديث:(إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل]
قوله صلى الله عليه وسلم في النذر: (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) يراد بهذا نذر النفقة بالمال أو نحوه، فالبخيل لا يخرج المال إلا إذا نذره وألزم به نفسه، وقد يعتقد أن النذر يؤثر في الأمور المستقبلة، وهذا خطأ، فالنذر لا يغير شيئاً من الأمور المستقبلة المقدرة، فالذي يعتقد أنه يؤثر فاعتقاده خاطئ، ونذكر لذلك أمثلة حتى يتضح المراد، فالذي يعتقد أن الله لا يشفي مريضة إلا إذا نذر أن يتصدق بألف فيقول: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بألف هل النذر سبب شفاء المريض؟ الله تعالى قدر له الشفاء، سواء نذرت أو لم تنذر، وكذلك إذا قال: إن ربحت تجارتي فلله علي أن أتصدق بألف.
كأنه بخيل، ما ينوي أن يتصدق إلا إذا أربح الله تجارته، فتجارتك قد قدر الله لها ما قدر، إما خسراناً وإما ربحاً، ليس خسرانها بسبب عدم النذر، وليس ربحها بسبب النذر، فالنذر لا يغير شيئاً من قدر الله.
وكذلك لو قال -مثلاً-: إن قدم ولدي سالماً من هذا الغزو -مثلاً- أو من هذا السفر الذي فيه خطر فلله علي أن أتصدق بألف أو نحو ذلك، أو أن أنحر شاة، أو عشرين شاة.
فهل نذرك بهذه الصدقة أو بهذه الذبائح هو الذي سبب أن ولدك يقدم سالماً؟ فالله قد قدر لك ما قدره، قدر أنه يقدم أو لا يقدم، وكتب ذلك، فليس النذر هو الذي سبب لك هذا، فالنذر لا يغير من قدر الله شيئاً، النذر لا يأتي بخير، وهذا بخيل لا يتصدق إلا بعد أن تحقق له نذره، لا يتصدق إلا إذا نجح ولده، ولا يتصدق إلا إذا شفي مريضه، ولا يتصدق إلا إذا قدم غائبه، أو إذا ربحت تجارته أو ما أشبه ذلك، فعرف بذلك أن النذر لا يغير شيئاً من أمر الله ولا من قضاء الله وقدره، وإنما يستخرج به من البخيل.
والواجب عليك أن تتصدق إذا كنت عازماً، سواء نجحت أو لم تنجح، سواء ربحت أو لم تربح، أن تعزم على الصدقات سواء شفي مريضك أو لم يشف، تعزم على الصدقة وكذلك على غير الصدقة إذا كان النذر عملاً صالحاً كصيام مثلاً، فنقول: ما يخطر لك الصيام إلا إذا نجحت مثلاً أو إذا ربحت؟! عليك أن تتقرب إلى الله بالصيام، وما تخطر لك الصلاة أو الحج أو العمرة إلا إذا حصل لك مقصودك هذا؟! هذا لا ينبغي، عليك أن تأتي بالقربات وبالأعمال الصالحة سواء حصل لك مقصدك ومطلبك أو لم يحصل، عليك أن تتقرب بالصدقات، وأن تتقرب بالحج والعمرة، وأن تتقرب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وما أشبه ذلك، وأن تتقرب بالصلوات وما أشبهها، سواء حصل لك مقصودك أو لم يحصل، سواء ربحت أو لم تربح، سواء نجحت أو لم تنجح، سواء قدم غائبك أو لم يقدم، شفي أو لم يشف، عليك أن تشكر الله وأن تتقرب إليه بهذه العبادات، فإن ذلك هو شأن المؤمن التقي الذي يعبد الله على كل حال، في عسره وفي يسره، وفي رخائه وفي شدته، وهذه هي حقيقة العبودية لله تعالى.